الرباط: في مبادرة تروم إنعاش الذاكرة الثقافية، أقدم عدد من الباحثين والكتاب المغاربة والعرب على استقراء التجربة الأدبية للكاتب المغربي الراحل محمد زفزاف، واضعين إياها تحت مجهر البحث والدراسة، وذلك بمناسبة الذكرى السادسة عشرة لرحيله بعد معاناة مع المرض.

تجلى ذلك في كتاب صدر حديثا، من تأليف جماعة من الباحثين والأدباء، وإعداد وتنسيق الكاتب أحمد المديني، ونشر المكتبة الوطنية بالرباط، تحت عنوان " محمد زفزاف صنعة الكاتب".

"الكاتب الكبير"

في تقديمه للكتاب، اوضح المديني أن المساهمين في هذا الكتاب "هم رفقة قص وحياة، سعوا لإعادة رسم الخطوط البيانية في الخريطة السردية السميكة والفسيحة لهذا الكاتب الرائد، القاص والروائي، المعلم".

أشار إلى أن هذه المبادرة ساهم فيها "مجايلون للكاتب الراحل، من لقبناه تبجيلا:"الكاتب الكبير"، بعد أن قطع شوطا كبيرا ومهما من الكتابة والحضور الأدبي، بدءا من نهاية ستينيات القرن الماضي وما تلاها".

لم يفت المديني أن يشير إلى أن "منطلق هذا الكتاب، ومبدأ وضعه، وتشارك الأطراف الفردية والمؤسسية في ظهوره، لهو الإيمان بضرورة الحفاظ على الذاكرة الثقافية الإبداعية في المغرب، وصونها من التلاشي والنسيان، ووضعها في المكان اللائق بها لتنال حقها من التقويم والاعتبار".

ضم الكتاب بين دفتيه دراسات وأوراقا وشهادت وأبحاثا، غاصت في العالم الروائي والقصصي لزفزاف، إضافة إلى سرد ملامح من شخصيته، صاغها مبدعون مشارقة ومغاربة، عرفوا الراحل عن قرب وكانت لهم معه العديد من الذكريات المشتركة.

المرأة والوردة

لاف كتاب "محمد زفزاف صنعة الكاتب"

في "ديباجة" الكتاب، يسترجع الكاتب المغربي أحمد بوزفور شذرات حول معنى تذكر زفزاف، ومما جاء فيها،" أن نتذكر زفزاف يعني أننا نذكر الأساس"، مستعرضا خصائصه ككاتب منحاز إلى الفئات الشعبية، وأيضا ككاتب حر لايقف في وجه السلطة فقط، "بل وكذلك في وجه المجتمع إذا لزم الأمر".

توقفت الدراسات عند مجمل قصصه ورواياته، ومنها رواية "المرأة والوردة" التي قدم لها الروائي والباحث الجامعي الراحل محمد أنقار قراءة جديدة لفصولها، التي كان زفزاف قد كتبها "في أجواء ثقافية غربية تميزت بحركات التمرد، والهيبية، وتأثيرات الفلسفة الوجودية".

اعترف بعض الباحثين والدارسين بصعوبة الإلمام بتجربة زفزاف الحياتية والأدبية، وضمنهم الناقد الأدبي ادريس الناقوري ، نظرا لغناها وتعددها، بعد أن شملت القصة والرواية والشعر والمسرح وكتابة المذكرات والترجمة.

في رأي الكثيرين من المساهمين في هذا الكتاب المخصص للمنجز السردي لدى زفزاف، مثل نور الدين درموش وعبد المجيد الحسيب وصدوق نور الدين وغيرهم، فإن إبداعات زفزاف شكلت منعطفا أساسيا في المسار القصصي والروائي،وهو الذي استطاع "أن يؤسس لنفسه تصورا خاصا في الكتابة"، في مغامرة "مغايرة غير مألوفة".

سيد الرواية

في الفصل المخصص للنصوص والشهادات، يسترجع الكاتب العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي ذكرى تعرفه على زفزاف "ذلك العراف النحيل بلحيته المميزة وكأسه ودخانه وعلاقته الحميمة مع مثقفي الهامش وفقراء الدار البيضاء، الدين سيشكلون بوقائع حياتهم ومشاغلهم ووسائل عيشهم الموضوع الأثير لرواياته "، واصفا إياه بأنه " هو سيد الرواية العربية القصيرة".

في نص مفعم بالحنين والشوق، كتب القاص والروائي محمد عز الدين التازي موضوعا شيقا تحت عنوان " محمد زفزاف فنان الحكاية"، يحفل بالكثير من اللقطات الإنسانية لصداقة عمرت بينهما طويلا، قال فيه إنه اكتشف فيه "الرجل اللطيف المعشر، الهاديء الطبع، الضاحك ببراءة طفولية لبعض الأمور".

ذكر التازي أن أعمال زفزاف حية عبر القراءة، وقد سمي شارع باسمه في حي "المعاريف" الذي عاش فيه بمدينة الدار البيضاء، وسميت دار للشباب باسمه، وأنشأت مؤسسة منتدى أصيلة جائزة للرواية باسمه.

يذكر أن المكتبة الوطنية بالرباط التي نشرت الكتاب نظمت أخيرا حفلا ثقافيا لتقديمه، تحت عنوان "لقاء الوفاء" ألقى فيه عدد من الباحثين شهادات وإضاءات حول مجمل أعماله القصصية والروائية.