طهران: غصت قاعة المتحف الوطني الايراني الاثنين بالصحافيين مع وصول اكثر من 50 عملا اثريا وفنيا من متحف اللوفر في خطوة "غير مسبوقة"، كاول معرض كبير لمتحف غربي في تاريخ البلاد.

ويعكس المعرض استخدام فرنسا الثابت للدبلوماسية الثقافية في سعيها الى اعادة بناء العلاقات التقليدية مع ايران، رغم خوض مسؤوليها محادثات لا تخلو من التوتر حيال قضايا سياسية وأمنية.

وعشية الافتتاح الرسمي، فتح المسؤولون ابواب المتحف الوطني الذي يحتفل حاليا بالذكرى الثمانين لتأسيسه امام الصحافيين.

وبين القطع الاثرية التي تم شحنها عبر الطائرة تمثال لابي الهول المصري يعود الى 2400 عام، وتمثال نصفي للامبراطور الروماني ماركوس اوريليوس ولوحات لرامبرانت وديلاكروا.

وقالت جوديث اينون، وهي خبيرة ارسلها متحف اللوفر، "كان من السهل نقل بعض القطع اكثر من غيرها".

واضافت "اعجب الايرانيون فعلا بتمثال ابي الهول، لكن وزنه يبلغ قرابة طن، وكان وضعه في المكان المخصص في غاية التعقيد".

وياتي المعرض تتويجا لعمل بدا قبل عامين منذ توقيع اتفاق التبادل الثقافي خلال زيارة قام بها الرئيس حسن روحاني إلى باريس في يناير 2016.

من جهته، قال جان لوك مارتينيز رئيس متحف اللوفر لوكالة فرانس برس ان "العلاقات بين فرنسا وايران قديمة وراسخة لان فرنسا كانت من رواد عمليات استكشاف الاثار هنا".

وتابع ان "هذا المعرض الذي لم يسبق له مثيل ابدا (...) يسمح لنا باقامة رابط بين هذه اللحظة المجيدة والعلاقات التي تعود الى القرن التاسع عشر".

علاقات ثقافية

وقد حظيت فرنسا بعلاقات ثقافية وطيدة مع ايران ما قبل الثورة، فالمتحف الوطني نفسه شيده الفرنسي اندريه غودار عام 1938. 

وفي حين كانت بريطانيا وروسيا تتنازعان النفوذ السياسي في بلاد فارس ابان القرن التاسع عشر، كان الفرنسيون اول من مهد الطريق امام استكشاف المواقع الاثرية.

وقال جوليان كوني، احد امناء متحف اللوفر في معرض طهران والخبير في الشؤون الايرانية، "كانت المسائل الثقافية تشكل اولوية بالنسبة لفرنسا اواخر القرن التاسع عشر، وكانت الوحيدة التي تقوم بعمليات تنقيب في ايران".

وحتى لا يتم تسليم كل شيء الى بريطانيا وروسيا، قرر ملوك بلاد فارس اسناد بعض القضايا الى بلدان اخرى، اما الشؤون الثقافية فقد كانت من نصيب فرنسا الى حد كبير.

واضاف كوني "نتيجة لذلك، فان الفرنسيين هم من اسسوا دائرة الاثار هنا عام 1930". 

وقد ساعد ذلك في الحفاظ على سمعة فرنسا بين الايرانيين، حتى مع تراجع بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا خلال الاعوام التي سبقت قيام الثورة الاسلامية عام 1979.

وقال دبلوماسي فرنسي ان "البريطانيين كانوا انذاك يبحثون عن النفط بينما كنا نهتم بالاثار. لذا، تركزت علاقاتنا على امور ايجابية ولا يزال ذلك ماثلا".

وللمفارقة، يتزامن افتتاح المعرض مع توتر دبلوماسي في العلاقات بين فرنسا وايران.

ووصل وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الى طهران لافتتاح معرض اللوفر ولكن ايضا من اجل مسالة اكثر اهمية تتضمن محادثات صعبة حول الصواريخ الباليستية الايرانية والتدخلات في المنطقة.

واتهمته الصحافة المحافظة الايرانية باهانة الشعب الايراني بانتقاداته لبرنامج الصواريخ ووصفته بانه "خادم" لدى الرئيس الاميركي دونالد ترمب.

ويتيح المجال الثقافي فرصة للتركيز على إعادة التفاعل الايجابي بين فرنسا وايران بعد ان شهد ايضا عددا من الصفقات التجارية والاستثمارات تشمل شركتي صناعة السيارات "بيجو" و"رينو"، وكذلك "توتال" العملاق النفطي منذ الاتفاق النووي عام 2015.

كما تشكل الروابط الجامعية جزءا من هذا التفاعل مع نحو 1700 طالب ايراني يدرسون حاليا في فرنسا.

وقال دبلوماسي يرافق لو دريان ان "هذا المعرض يعكس الطموح المشترك لتعزيز علاقاتنا، نود القول ان ايران تعود الى تطبيع علاقاتها دوليا".