سكن عثمان العمير في نايتسبريدج طويلًا، وشهد كيف تحوّلت من ضاحية لندنية إلى رواق أممي، إلى جمهورية خليجية، فآثر الانتقال إلى مكان أكثر إنكليزية. إنها شهادة على تبدلات الديموغرافيا الحقيقية.

إيلاف: تشتهر منطقة نايتسبريدج في وسط لندن اليوم بالسيارات الفارهة والمتاجر الفاخرة والزوار الخليجيين. لكنها لم تكن دائمًا كذلك، بل تطورت المنطقة بسرعة، مستبدلة سكانها الأصليين بوافدين جدد من أنحاء العالم. فما الذي يستدرجهم إلى هذه المنطقة، وهل من الجائز أنها أخذت تفقد جاذبيتها؟.

الإعلامي السعودي عثمان العمير، ناشر "إيلاف" ورئيس تحريرها، الذي انتقل إلى شقة في المنطقة قرب مخزن هارودز الشهير في عام 1993 يقول إن نايستبريدج تغيرت بالفعل، مشيرًا إلى أن شوارع المنطقة كانت في السابق محفوفة بالمقاهي الشرقية ومزدحمة بالسيارات الفارهة. 

يتذكر أن أجواء المنطقة كانت مختلفة. وهو الذي يحمل الجنسية البريطانية شهد أيضًا نايستبريدج تتغير من المنطقة المفضلة عند وجوه المجتمع الانكليزي من الطبقة العليا إلى ما يسمّيها العمير "جمهورية خليجية".

ضاحية أممية
قال العمير في حديث لصحيفة "عرب نيوز": "كانت منطقة نايستبريدج في عام 1993 أكثر انكليزيةً.... لا تسمع فيها لغة أخرى، ولا حتى لغة أوروبية... وفجأة أصبحت أُمميّة جدًا. ونادرًا ما ترى الإنكليز هناك باستثناء الزوار منهم".

قالت "عرب نيوز" إن العمير انتقل إلى لندن في السبعينيات من القرن الماضي، وسكن أولًا في منطقة غولدرز غرين، ثم ماريلبون هاي ستريت وتشيزيك وريتشموند، وأخيرًا نايتسبريدج، مستفيدًا من الموجة العقارية. كان في الوقت نفسه يقتحم ذرى الإعلام، حيث أطلق "إيلاف"، أول جريدة الكترونية عربية في عام 2001.

لاحظت الصحيفة في تقريرها أن عرب لندن كانوا يتجمعون حول منطقة إيجوارد رود وأوكسفورد ستريت حين وصل العمير إلى العاصمة البريطانية أول مرة، "لأن غالبية السعوديين كانت تأتي إلى لندن للدراسة أو العلاج". 

تابع التقرير أن العمير انتقل إلى منطقة نايستبريدج لأسباب وجيهة اليوم، كما كانت قبل عقود، فهو يعتبر أن "جمال نايستبريدج يكمن في أنها لا تتغير أبدًا من وجهة النظر المعمارية، إذ يمكنك أن تزور متحف فكتوريا أند آلبرت، وقاعة رويال آلبرت هول والعديد من المتاحف، وهناك حديقة هايد بارك للمشي فيها، وتكون بالطبع جارًا لصاحبة الجلالة ملكة إنكلترا، التي لا تبعد أكثر من ألف متر".

جمهورية خليجية
لكن علائم التغيير في هذه المنطقة الراقية من لندن كانت تلوح في الأفق، وبدأ العمير يلاحظ ذلك في عام 2006. يتذكر: "واجهت نايتسبريدج ثورة من نوع ما... إذ بدأت تُفتح مقاه ومتاجر ومطاعم عربية، ويمكنك أن ترى مجاميع من عرب الخليج يتجولون فيها معًا. ثم أصبحت نايتسبريدج جمهورية خليجية، تشعر كأنك في قلب الرياض أو بيروت أو دبي".

أضاف العمير أن هذا لم يكن يلائمه لسبب واحد: "فأنا أتمتع بوجودي في لندن، وإذا أردت الذهاب إلى الشرق الأوسط، سأذهب إلى الشرق الأوسط".

ذلك أن التغيرات والمتاجر والمقاهي والناس وتوافد الزوار في الصيف وتدخين الشيشة وتحوّل المنطقة إلى "جزيرة العرب الصغيرة"... هذا كله كان كثيرًاعلى العمير.

شتاؤها أفضل
صرح لصحيفة "عرب نيوز" قائلًا: "عندما جئتُ إلى لندن أردتُ أن أعيش في لندن، بين لندنيين". لذلك انتقل العمير بعد 25 سنة، وهو يسكن الآن في مبنى جديد رائع في منطقة ستراند القريبة من شارعه الأثير فليت ستريت، الذي كان ذات يوم مركز صناعة الصحف البريطانية، عائدًا إلى "لندن الحقيقية".

لكن جزيرة العرب الصغيرة ما زالت ذات شعبية بين عرب الخليج، والأرجح أن تبقى كذلك.

يقول العمير إن أفضل وقت لزيارة نايتسبريدج هو الشتاء، لتفادي موسم السيارات الفارهة في الصيف، وهو شعور يشاركه فيه اللندنيون على الأرجح. ويرى عمّال في مقاهي المنطقة أن هبوط موسم السيارات الفارهة في الصيف الماضي يوحي بأن "جزيرة العرب الصغيرة" ربما أخذت تعود الآن إلى أزمنة أكثر هدوء. 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "عرب نيوز". الأصل منشور على الرابط: 
http://www.arabnews.com/node/1260806/middle-east

 ​