إيلاف من لندن: يدور عمل الكاتبة البريطانية هيلاري مانتيل الجديد حول القانوني والفيلسوف الاجتماعي ومستشار الملك هنري الثامن وقاضي قضاته الذي عاش في القرن السادس عشر، توماس مور.

في شكل رسالة

اختارت مانتيل الفائزة بجائزة مان بوكر ان تكون قصتها في شكل رسالة الى مور، رجل الدولة هذا الذي رفعه الكاثوليك الى مصاف القديسين.

وتبدأ مانتيل الرسالة متسائلة "كيف اخاطبك؟ السير توماس؟ القديس توماس؟ قاضي القضاة؟ أنا لا أستطيع ان اسميك توماس، فنصف الرجال في انكلترا لهم هذا الاسم".

تلاحظ مانتيل ان احد كتاب سير مور الحديثين "يقول ان غالبية الذين يعملون معك ينتهي بهم المآل الى الاعجاب بك" ولكن "الاعجاب أو عدم الاعجاب لا يهم المؤرخين الرصينين".

تلاحظ الكاتبة في رسالتها الى مور "ان الموضوعية مستحيلة" مشيرة الى قصة حياته التي كتبها صهره ويل روبر عندما كان السائد ان تُصوَّر الحياة كما ينبغي ان تكون وليس كما كانت بالفعل، وتبلور آراء مور بعد 20 سنة على وفاته.

تمضي مانتيل في رسالتها قائلة ان الفنان الالماني هانز هولباين الذي رسم بورتريه توماس مور "يرى عبقرياً ثعلبياً" دون ان تقصد بذلك معنى سلبيا، مؤكدة ان الفكر يشع من مسامات بشرته الشاحبة بسبب البقاء في الداخل بعيداً عن اشعة الشمس.

تقول "ان التركيز حفر اخاديد في جبينك وعندما كنت تمارس المحاماة كنت تترك عباءتك تسقط من أحد منكبيك وكان المعجبون بك يقلدونك جاعلين من اللامبالاة عبادة".

طفولة مور

تعود مانتيل الى طفولة توماس مور حين كان يتعلم في مدرسة سانت انتوني ويجلس في الساعة السادسة صباحاً لتلاوة الأناشيد باللغة اللاتينية على مصطبة واحدة مع آخرين مثله من ابناء محامين وتجار اثرياء في لندن. ثم احتضنته عائلة كبير الأساقفة مورتون وفي بيت العائلة عرف عن كثب كيف يحكم رجل دين حصيف وقوي ملكوت الكنيسة. وهناك ظهر نبوغ الصبي توماس مور.

من الجامعة إلى "قاضي القضاة"

كانت المرحلة التالية جامعة اوكسفورد التي انتقل اليها مور وهو في الرابعة عشرة من العمر. ثم عاد الى لندن لقضاء فترة التطبيق العملي في مهنة المحاماة.

وكان ينتظره في هذه الفترة مقعد في البرلمان وصداقة الملك الشاب هنري الثامن وترقيته الى عضوية المجلس الملكي واخيراً، بعد مساهمة في اسقاط الكاردينال توم وولسي، الى منصب قاضي القضاة ومستشار الملك.

باحث عن الألقاب

تخاطب مانتيل في قصتها الجديدة توماس مور قائلة "أنت دائما تتظاهر بالتعفف عن المكارم والألقاب" ولكن "هذا لا ينطلي على أحد. فمن الجائز ان قلبك يتلهف على القماش الخشن المصنوع يدوياً ولكن يديك دائماً جاهزتان للانزلاق في تلك الأكمام المخملية الحمراء".

وتضيف "ان تواضعك هو من النوع الذي يحني الرقبة لارتداء قلادة المنصب".

الكاتبة هيلاري مانتيل

تؤكد رسالة مانتيل الى مور "ان من الصعب ان يكون المرء سياسياً وقديساً وان جورج اورويل الذي قد يثير اهتمامك قال ان كل حياة، منظوراً اليها من الداخل، انما هي سلسلة من الهزائم".

بحلول عام 1530 عندما كان مور مطمئناً الى منصبه رئيساً للقضاة تقول مانتيل "انك لم تعد تعتمد على طرق الاقناع الظريفة بل على اساليب وحشية. فالملك يريد التخلص من الملكة ويقول انه رئيس الكنيسة في انكلترا، هو وليس بابا روما، وان كلام الكتاب المقدس لا يُناقش من على المنابر بل في الحانات، في الشارع. والانكليزي يريد ان يخاطب ربه مباشرة".

مسؤول عن الخراب

وتعيد مانتيل تذكير توماس مور بأن ستة اشخاص قُتلوا حرقاً بتهمة الهرطقة خلال العامين ونصف العام من عمله مستشاراً للملك. وتتهمه بالمسؤولية عن الخراب الأكبر الذي وقع بالاعتقالات والمداهمات وتدمير مصالح المشتبه بهم واتلاف صحتهم وتمزيق عائلاتهم.

وتخاطبه مانتيل قائلة "أنت كنتَ فخوراً بدورك في هذا وكنتَ تظن انك تنقذ المسيحية وفكرت ان التنوع في الرأي سيؤدي الى ضعف قاتل. كنتُ تغمض عينيك وتسمع الاتراك والوثنيين على الأبواب".

إلى الزنزانة

حين أراد الملك من مور ان يبايعه رئيساً للكنيسة بلا منازع في انكلترا كان ذلك بمثابة التزام بالنظام الجديد، بانفصال انكلترا عن روما.

وهناك تقول مانتيل "ان اقرانك من المستشارين نصحوك بالمبايعة وامتثل رجال الدين واعضاء البرلمان ايضاً فلماذا تكون أنت مخالفاً؟ كان الملك صبوراً معك ولكن في النهاية اصبح مأواك زنزانة في البرج". 

وتواصل مانتيل رسالتها الى مور قائلة "انك قررت ألا تموت صامتاً. وهذا تصور خاطئ آخر في ذهن الأجيال اللاحقة. فأنت خلال اشهر الاعتقال حرصت إلا تجرم نفسك وألا تقدم اسبابك لرفض المبايعة ولكن بعد صدور الحكم نطقت وقلت انك تموت من أجل ما تؤمن به، من أجل طاعة الكنيسة.

هيأت نفسك لمواجهة اسوأ ما يمكن ان تفعله الدولة. لا تعرف كيف ستموت، بخزي وبطء حسب السرعة التي يختارها الشناق أو موتاً مشرفاً سريعاً بالفأس؟ تأمل ان يكون هنري رحيماً. كان رحيماً وكنت تظن انك تعرفه. وذهبت بعيداً في التعويل على رحمته".

وتقول مانتيل ان مور استقبل زواراً في زنزانته في البرج حين لم يكن مصيره محسوماً بعد. "ولذلك أتوا لأخذ كتبك منك في ضربة محسوبة أخيرة من الضغط النفسي. ولكن قلبك ينشرح مع ذلك إزاء احتمال الرفقة مع احد".

التاريخ لا يرحم

تقول هيلاري مانتيل في ختام قصتها المكتوبة بصيغة رسالة الى توماس مور "ان التاريخ دائماً أكثر غرابة مما نتخيل أن نستطيع أن نتخيل. وهو لا يكون ابداً اسود/ابيض ، ولا يكون ابداً إما/أو ولا يكون ابدا "لو أن... لكان". فان قيود السببية تنكسر حين تتنفس عليها وبعض الافتراضات الحديدية ليست اقوى من شبكة العنكبوت. التاريخ لا يكون ابداً منتظماً أو مرتباً. ليس لديه قوس دراماتيكي بل زاخر بالطرق المسدودة ونقائض الذروة والأسرار الضبابية التي تعيد تشكيل نفسها".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "الديلي ميل". الأصل منشور على الرابط التالي:

https://www.telegraph.co.uk/books/authors/hilary-mantels-letter-thomas-have-lie-little-order-like/