إيلاف من دبي: انطلق الأحد معرض «فان كوخ: اللوحات الحية» في حي دبي للتصميم، ليتيح لمحبي الفنون تجربة فريدة من نوعها، لمشاهدة لوحات الرسام الهولندي فنسنت فان كوخ من خلال تقنية حديثة تغير المفهوم التقليدي للمعرض الفني الذي يعتمد على التأمل الصامت للأعمال الفنية المعروضة، وتحوّله إلى تجربة تفاعلية تجمع الصورة والصوت.

يتضمن المعرض الذي انطلق صباح امس تحت رعاية وزارة الثقافة وتنمية المجتمع ويستمر على مدى 44 يوماً، نسخة عن غرفة الفنان التي صورها في العمل الفني "غرفة نوم في آرل"، والتي كان قد أنجز فيها معظم أعماله.

يقدم العرض «متعدد الوسائط» حياة الفنان الهولندي ضمن تجربة حسية متكاملة تحاكي تسلسل مراحل تطور حياة فان كوخ وتتناول أسلوبه الفني، لتستعرض أمام الزائرين مشهداً يسرد أحداث متسلسلة من حياته الفنية التي لم تجاوز العشر سنوات والتي حددتها بمرحلة (هولندا، باريس، آرل، سان ريمي، أوفير-سر-واز). يتسق هذا السرد مع موسيقى كلاسيكية مختارة، تمنح العرض حضوراً مؤثراً.

 

المعرض يقدم نحو 3 آلاف عمل يتناول عالم فان كوخ

 

تجربة جديدة متكاملة

يعتمد هذا المعرض على إدخال الزائر في تجربة متكاملة، تنطلق مع موسيقى سيمفونية قوية تسيطر على حواسه، يصاحبها تحول جدران وأرضية المكان إلى شاشات عرض لمجموعة من أعمال الفنان المعروف.

يقدم «فان جوخ: اللوحات الحية» نحو 3 آلاف عمل يتناول عالم فان كوخ ما بين لوحات معدة للتعريف بتجربته وحياته الفنية من خلال صور اللوحات والسيرة المكتوبة، وبين محاكاة هذه الأعمال بتجربة بصرية حسية متطورة، وباستخدام 40 جهاز إسقاط صور عالية الدقة.

ويتتبع المعرض التغيرات التي مر بها فان كوخ في مسيرته الفنية التي استمرت 10 سنوات، وكان يستلهم فيها أعماله من تغير المناظر الطبيعية والأشخاص المحيطين به، والأماكن التي يقيم فيها، مقسمًا هذه المراحل إلى فصول، تصاحب كل منها قطعة موسيقية تعبر عنها، وعن المشاعر والتجارب التي عكسها الفنان في لوحاته في تلك الفترة، وتبدأ بسلسلة من البورتريهات الذاتية التي تعكس الأنماط المختلفة للفنان ومشاعره المتغيرة على الدوام، والاضطراب الذي يعانيه.

فصول حياته

يركز الفصل الأول على المرحلة التي عاشها فان كوخ في هولندا، وما تتميز به من تركيز على الألوان الداكنة والترابية في رسم المناظر الطبيعية والأشخاص والطبيعة الصامتة.

 

المعرض يعزّز دور الإمارات بصفتها إحدى منارات الثقافة والفنون

 

ثم ينتقل العرض إلى مرحلة جديدة مع انتقال الفنان إلى فرنسا، حيث تأثر بالطاقة الباريسية وفناني المدرسة الانطباعية، وبدأ في استخدام ألوان مبهجة، ومعها بدأت أعماله في التحول إلى النمط الفريد الذي اشتهر به.

نقلة أخرى يتتبعها المعرض مع انتقال الفنان للعيش في آرل في جنوب فرنسا، وهي الأكثر إنتاجية في مسيرته على الإطلاق، وتبدأ بسلسلة لوحات "دوار الشمس"، ثم تحوله إلى تصوير حياته وحياة المحيطين به، واهتمامه بالفن الياباني. كما عبرت هذه المرحلة عن تدهوره وإصابته بمرض عقلي.

تعبر المرحلة الختامية من المعرض عن شعور فان كوخ بالفراغ، الذي انعكس في مساحات الطبيعة الشاسعة التي جسدها في لوحاته في تلك الفترة، كما في لوحته "حقل القمح مع الغربان" التي تعبر عن اضطراب مشاعره في أواخر حياته.

أفاق جديدة

يقول ياسر القرقاوي، مدير إدارة الفاعليات الثقافية في وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، إن المعرض يعزّز دور الإمارات بصفتها إحدى منارات الثقافة والفنون ومصدرًا للإشعاع الثقافي في العالم، "من خلال فتح آفاق جديدة للتواصل والتقارب بين مختلف الثقافات، واستخدام الفن جسرًا لتعزيز قنوات التبادل الثقافي بين الشرق والغرب، وترسيخ أهمية التواصل مع الثقافات العالمية وتبادل الخبرات، وزيادة الوعي الثقافي لدى المجتمع، من خلال تنظيم فاعليات ثقافية وفنية تتيح الفرصة للاستدلال على تجربة الآخر، والانفتاح على الثقافات العالمية بأنواعها، باعتبار الثقافة والفنون أفضل الوسائل للتقارب بين الشعوب، إلى جانب إعداد أجيال جديدة من الكوادر المواطنة الشابة المؤهلة بخبرات ومهارات تتيح لها اغتنام فرص احتراف الفن بكل أشكاله، وذلك من خلال ممكنات النهضة الثقافية في الدولة.

ويضيف: "إلا أن هذا الحدث يمثل تجربة فريدة من نوعها في الإمارات، تجمع بين أروع المقطوعات الموسيقية الكلاسيكية المختارة ومجموعة من اللوحات التي أبدعها الفنان فان كوخ، من خلال أسلوب عرض يتضمن مزيجًا فريدًا من الأضواء والألوان والأصوات، لعرض هذه الأعمال الفنية الشهيرة".

يحظى الزائرون بفرصة التعرف إلى المصادر التي ألهمت الفنان فان كوخ، من خلال عروض الصور ومقاطع الفيديو، إلى جانب تقديم أعماله. لكن بالنسبة إلى العديد من الأشخاص، فإن السعادة تكمن بالوقوف دون حراك، والانغماس بالأحاسيس، مع انطلاق موجات من الأضواء والأصوات المذهلة والجميلة من حولهم.

يقول يوسف باطوق، المدير التنفيذي لشركة 6IX Degrees Entertainment إن حياة الفنان المعقدة كانت مثيرة لاهتمام الكتاب فنجد الكثير من المؤلفات التي تتناول حياته وتحلل أعماله، لكن الفرصة التي يقدمها هذا المعرض، سواء لدارسي الفن، أو لمتذوقيه، هي أن يدخلوا بأنفسهم في تفاصيل أعماله وتسلسل تطور أسلوبه الفني لينتقوا بأنفسهم الذكريات والصورة التي سوف يحتفظون بها عنه كشخصية فنية تعتبر من أهم مؤسسي الفن الحديث، وذكر أن المعرض تنقل بين 35 دولة حول العالم، قبل أن يزور الشرق الأوسط، والإمارات تحديداً، واستقطبته العديد من العواصم والمدن الكبيرة، مثل نيويورك، برلين، استوكهولم، وغيرها.

وعن حكاية المعرض الذي يعتبر تشكيلاً فنياً سينمائياً يتداخل مع الفني يوضح باطوق أن الفكرة وإعداد التجربة وحقوق العمل يعودان إلى شركة «جراند إكزبشنز» التي عملت على وضع القصة والسيناريو، واللوحات الموسيقية المرافقة للعرض تكمل التجربة ولا يحوي المعرض أياً من الأعمال الحقيقية للفنان، لكنه يجعل الزائر يشعر وكأنه يعيش في قلب اللوحة.​