في تجمع جماهيري كبير نظمته إحدى الحملات الداعمة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يترشح لولاية ثانية، كان الانتشار الأمني لافتا، حتى إنه قبل وصولنا إلى المكان لاحظنا وجود سيارات الشرطة ورجال الأمن بالمنطقة الواقعة على أطراف القاهرة.

استقبلتنا الأغنيات الوطنية وصور السيسي التي تطل من كل جانب.

وصعد المتحدثون إلى المنصة ليعددوا ما وصفوه بإنجازات الرئيس على مدار السنوات الأربعة الماضية. يقولون إن توليه فترة ثانية ضرورة ليكمل ما بدأه من مشروعات، بينما يستمع الحضور، الذين يصل عددهم بضع مئات، ولا يتوانون عن التصفيق والتهليل كلما سنحت الفرصة.

وكان الرئيس السيسي قد أوضح في إحدى خطاباته أن عدد المشروعات التي أُنجزت في ولايته الأولى بلغت 11 ألف مشروع، وهو رقم شكك فيه منتقدون.

الحضور هنا لا يقتنعون، بالطبع، بأي انتقادات توجه للرئيس أو لتصريحاته. يقول أحد المتحدثين: "الرئيس السيسي لا يسير على طريق تحقيق الإنجازات بل يقفز، أو بالأحرى يطير، من أجل أن يحقق أحلامه وأحلامنا".

انتخابات أم استفتاء؟

وفي حين يرى مؤيدو السيسي أنه أعاد لمصر استقرارا افتقدته لسنوات في أعقاب الفترة التي تلت ثورة الـ 25 من يناير، هناك من يختلف بشدة مع هذا الرأي.

يقول خالد داوود، رئيس حزب الدستور، "لا توجد انتخابات في مصر، إنه مجرد استفتاء أو تمديد للرئيس الحالي".

وقرر داوود مع عدد آخر من رؤساء الأحزاب الليبرالية المعارضة مقاطعة الانتخابات.

ويضيف: "لا نريد خداع الشعب المصري. فكل مؤسسات الدولة تهيىء الرأي العام منذ أشهر لتقبل فكرة تولي السيسي لفترة رئاسية أخرى."

عنان والفريق شفيق (صورة أرشيفية)
REUTERS/AMR ABDALLAH DALSH/FILE PHOTO
الفريق سامي عنان (يمين) والفريق أحمد شفيق (يسار) كانا قد أعلنا ترشحهما للرئاسة

وتقول المعارضة إن السلطات عملت على إبعاد أي مرشح حقيقي عن حلبة السباق كي لا يمثل أي تهديد للرئيس.

ويرى داوود أن "هناك محاولات ممنهجة لخنق السياسة في مصر. لا أعلم إذا كنا، كأحزاب معارضة، سنتمكن من مواصلة العمل في ظل هذه الظروف".

وتواجه أحزاب المعارضة انتقادات بأنها لم تنجح في تأسيس قواعد شعبية لها في الشارع المصري على مدى الأربع سنوات الماضية، لكن داوود يرد على ذلك بأن "الكثير من أعضاء هذه الأحزاب يتعرضون للملاحقة الأمنية المستمرة."

ويضيف: "كما يلقى القبض على بعضهم بسبب كلمة كُتبت على مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى لمحاولة تنظيم مسيرة سلمية للتعبير عن الرأي. بعض من أعضاء أحزابنا قد يُسجن لثلاث أو خمس سنوات."

مرشحون محتملون

كان من بين المنافسين المحتملين للسيسي رئيس أركان الجيش السابق، سامي عنان، المحتجز حاليا في سجن عسكري لإعلانه الترشح دون الحصول على موافقة الجيش.

أما رئيس وزراء مصر السابق، أحمد شفيق، فقد أعلن نيته الترشح أثناء إقامته بالإمارات العربية المتحدة التي يعيش بها منذ أن خسر انتخابات الرئاسة عام 2012، التي شهدت فوز الرئيس السابق محمد مرسي. لكن سرعان ما رُحّل شفيق إلى مصر بعد هذا الإعلان، في ظروف بدت غامضة، ليتراجع عن قرار الترشح لاحقا.

كما انسحب المحامي الحقوقي، خالد علي، ممثل المعارضة الليبرالية، موضحا أن المناخ السياسي غير مناسب لخوض السباق الانتخابي.

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي مرشحا وحيدا، حتى ظهر مرشح آخر غير متوقع قبل لحظات من إغلاق باب الترشح.

وقرر موسى مصطفى موسى، وهو رئيس حزب سياسي صغير، منافسة الرئيس. وتعرض موسى، وهو اسم غير معروف لعموم المصريين، لسيل من الانتقادات، والتهكم أحيانا، من بعض النشطاء الحقوقيين والسياسيين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي.

فالمعركة الانتخابية، بحسب كثيرين، تبدو محسومة سلفا لصالح السيسي، كما أن موسى كان حتى أسابيع قليلة، من أكبر داعمي الرئيس.

لافتات تأييد لموسى مصطفى موسى
EPA
شارك العشرات في مسيرة لتأييد المرشح الرئاسي موسى مصطفى موسى

ذهبنا لمقر حملة موسى بوسط القاهرة، لنلتقي مستشاره القانوني، سمير عبد العظيم، الذي حاول أن يفند هذه الانتقادات.

ويقول عبد العظيم: "أحيانا ما يتنافس عضوان من نفس الحزب على رئاسة الحزب، رغم أنهما ينتميان لنفس المدرسة الفكرية ويتبعان نفس مباديء الحزب، لكن لكل منهما رؤيته وطريقه."

وفي حين يؤكد أعضاء حملة موسى أنه يحمل فكرا وبرنامجا مختلفا، يكشف الواقع على الأرض عن التفاوت الكبير بين فرص المرشحين.

وتنظم حملة السيسي تجمعات كبيرة في مختلف المحافظات، بينما اقتصر نشاط حملة موسى في القاهرة، على سبيل المثال، على مسيرات محدودة بوسط المدينة شارك فيها بضع عشرات على أقصى تقدير.

وبينما تغطي صور السيسي معظم شوارع العاصمة، بالكاد يمكننا أن نلمح صورة أو صورتين لموسى. لكن حملته تقول إنها تراهن على المناطق الريفية بعيدا عن المدن الكبرى.

"الاستقرار والديمقراطية"

مصر بين
BBC

ذهبنا إلى أحد المقاهي لنعرف كيف يرى عموم المصريين المشهد قبيل الانتخابات. تتباين الآراء، لكن الكل يُجمع على شيء واحد، هو أن فوز السيسي بالانتخابات مسألة بديهية.

ويقول رجل خمسيني، وهو منهمك في لعبة الشطرنج: "لا أريد نظاما عسكريا، فالعسكرية لا تعرف الديمقراطية. أعلم أن السيسي سيفوز حتى إن لم أكن أريده."

ويضيف أنه "ما من دولة خضعت لحكم عسكري إلا وهوت."

يقاطعه صاحب المقهى، الذي يرى في الرئيس الحالي منقذا ومخلصا من دوامة الفوضى التي غرقت فيها مصر في السنوات الأخيرة. ويقول إن الرئيس "حقق الاستقرار"، فالسنوات التي أعقبت ثورة 25 يناير شهدت كثيرا من الاضطرابات الأمنية والتراجع الاقتصادي والتخبط السياسي.

كثيرون سئموا هذه الاضطرابات، لكن هناك من يرى في دعاوى نشر الأمن والاستقرار مجرد غطاء يضفي شرعية على محاولات التضييق على كل معارضي النظام.

وبينما تعلق لافتات تأييد السيسي في مختلف أنحاء البلاد، تظل مخاوف المعارضة من غياب التعددية والتنافسية الحقيقية في الانتخابات، وربما السياسة المصرية بشكل عام.