في خطوة مثالية جريئة، أحيا الموسيقار العراقي سامي نسيم أمسية موسيقية في مدينة الموصل بحضور المثقفين والفنانين، حيث قدم برنامجًا حافلًا بعدما قام بزيارة المدينة والتجوال في شوارعها وأزقتها الخربة وتوقف طويلًا عند بيوتها المهدمة، وجلس في العديد من الأمكنة، وسط الحطام، ليعزف لكل شيء هناك روائع من موسيقاه التي جعلت الدموع تتبتل حزنًا على المدينة الرائعة التي طالها الدمار أو كما قال سامي (حين اغتالت خفافيش الظلام مدينة التنوع والحضارة بغفلة من الزمن).

إيلاف من بغداد: اعرب الموسيقار سامي نسيم، عازف العود ومدير فرقة بغداد للعود، عن سروره البالغ وحزنه الكبير في آن واحد بعد زيارته لمدينة الموصل مركز محافظة نينوى (أم الربيعين)، فقد سرورت لأنني كنت (بين أهلي في مدينة الموصل (الجديدة) الذين غمروني بمحبتهم وحسن ضيافتهم وكرم أرواحهم الطيبة الأصيلة، ولمست عن قرب حكايات ومعاناة أهلنا في الموصل)، وقد كان استقباله بكلمات طيبة مثل (نحن مدينة زرياب والملا عثمان الموصلي.. لن يُخف صوتنا.. أرادونا أمواتًا فأصبحنا وترًا نسّـمع العالم كله)، لكن الحزن كان إزاء وقوفه على الدمار الرهيب الذي طال المدينة، هذا الدمار الذي جسد أحزانه بمعزوفاته، وفيما كان سامي نسيم يعزف كان هنالك موصلي يغني موال المحمداوي الجنوبي بصوت شجي.

منهاج حافل
فقد أحيا أمسية في (مقهى قنطرة الثقافي) وقدم منهاجًا حافلًا، حيث قدم أولًا (إرتجال وقطعة شناشيل (إلى أم الربيعين) / سامي نسيم وسماعي رست / محمد القصبچي) ثم (حكاية عود (سماعي بيات ) سامي نسيم)، و(ثلاثة ألحان من تراث المُلا عثمان الموصلي)، و(سماعي عجم /روحي الخماش)، و(تحية الى نينوى)، و(ألوان (سماعي شت عربان/خالد محمد علي)، و(أغنيات عراقية)، و (كابريس رقم ١ / الشريف محيي الدين حيدر) و(من وحي قيثارة سومر سامي نسيم) و(أطوار ريفية من الجنوب وقطعة ليت لي جناحًا/ الشريف محيي الدين حيدر وقطعة رقصتي المفضلة / جميل بشير وقطعة بغداد والعصفور الطائر/ منير بشير) و(عيون جبلية وقطعة سولاف سامي نسيم وغانم حداد) واختتمها بـ (حلم عراقي/ فليفل اخوان/ عباس جميل / سامي نسيم).

سلامًا من الموصل الحدباء إلى الناصرية
فيما كانت الكلمات المرحبة به تقول (شكراً للكبير سامي نسيم، حللت ضيفاً عزيزاً استمتعناً بذلك الحس المرهف الذي تمتلكه. سلامًا من الموصل الحدباء الى الناصرية الحبيبة التي أنجبت هذه الانامل)، ومنها كلمة عازف العود الكبير اكرم حبيب الذي قال (زِريابٌ طارَ مِن أعالي نَخيل مدينة الناصِرية الطَيبة بِأهلها والشَهيرة بِمُبدعيها من الفنانين والأُدباء والمُثقَفين، مُحلِقاً في سماءِ العِراق مُتجِهاً لِلشمال حامِلاً مَعهُ أعذَب التَغاريد العِراقية و العالمية وأدقِها صياغةً وأداءً لينثُرَها عِطراً في سماء المَوصل تحيةً لِزريابِها وإسحاقها وإبراهيمِها وعُثمانِها ويُسمِعَهُم رَسائل المَحبة والسلام قائلاً لَهُم كُلنا طيورًا عِراقية وسَنُغَرِدُ سَويةً الحانًا جَديدة لِلعِراق).

واضاف: هكذا تألقَ الموسيقار المبدع عازف العود "سامي نسيم" في إحتفالية إفتِتاح "مَقهى قِنطرة الثقافي" والتي حضرتها نُخبة مِن مُثقفي الموصِل وفنانِيها وسَيبقون مُخلصين لِذكرى السِحر الذي أسمعهم اياهُ هذا المُبدِع العراقي الكبير.

من جانبه قال سامي (شكرا للموصل الحبيبة وأهلها الكرام الطيبين وكل احترام وتقدير لأعلامها الرواد والمعاصرين وقليل كل ما قدمنا ونقدم لها لأنها التأريخ والأصالة وأثني على من يسر لي حضوري لأسجل لذاتي التي تنازعني دوما للوقوف على محنة أم الربيعين (نينوى) واغتيال ربيعها بغفلة من زمن على يد الأرهاب الأسود الظالم.. وفي الوقت عينه أشد على أيادي شيبها وشبابها بتضافر الجهود والهمم والمطالبة بإعادة إعمارها، وهو مطلب إنساني عالمي، لأن الموصل تراث عالمي انساني بتنوعها وإرثها الحضاري الثقافي والفني والأثري الديني والإنساني كونها ضاربة الجذور في التاريخ.. إعمار الموصل بناء لإنسانيتنا.. شكرا للفنان والأستاذ الكبير أكرم حبيب ما تفضل به من شهادة كبيرة بحقي أجلها وأحترمها وأفتخر بها).

مناشدة إنسانية
لكن الزيارة لم تنته، بل ان الموسيقار سامي نسيم، وما ان غادر الموصل حتى وجّه مناشدة انسانية الى (رئيس الوزراء العراقي، هيئة الأمم المتحدة، أعضاء المنظمات الإنسانية في العالم، جامعة الدول العربية والإعلام الحر الشريف في كل العالم)، وقد اطلع ميدانيا على ما تعرضت له المدينة.

فجاء في مناشدته: عند زيارتي الأخيرة قبل أيام للمشاركة في إفتتاح مرفق ثقافي بسيط وجميل بمنطقة المجموعة الثقافية في مدينة الموصل وهو (مقهى قنطرة الثقافي) الذي تطوع لإقامته شباب نينوى كمبادرة طيبة ضمن حدود إمكانياتهم ونواياهم الجميلة التواقة الى أحداث نوع من التغيير بأدوات الجمال من فن وأدب وتراث، وكانت لمساهمتنا بحفل الإفتتاح بساعتين من موسيقى العود وكذلك مشروع (درج للكتب) بادرة نوعية أخرى مضافة للمكان، ولكن المناشدة الإنسانية هي غياب تام للحكومة المحلية، وأشارت الى ذلك من خلال غياب أي نوع من الخدمات أو حملات الإعمار، بل يصل الأمر الى إن الجثث مازالت تحت الأنقاض لحد الآن ورائحتها تصل الى أنف المسؤولين، وكل من يزور المدينة القديمة للموصل، يلمس ذلك كما لمست ذلك عن قرب بجولة حرة بشوارعها الخربة وبين رميم أحيائها المتهالكة.

اضاف: وهذا الدمار الذي أحدثته الحرب يفوق قدرة الناس وربما يفوق إمكانيات الحكومتين المحلية في نينوى والمركزية في بغداد والتي شغلهما الشاغل هذه الأيام الإنتخابات والسباق المحموم لفوز الكيانات فيها. وبجانب آخر أين هي منظمات المجتمع المدني الإنسانية في الداخل والخارج المحلية والعالمية من هذه الكارثة التي إن ظلت على حالها تتسبب بأمراض وبائية خطيرة لأهالي الموصل.

تابع: لاحظت صحافة أجنبية تنقل المأساة وتحدثنا عن هذا وكذلك تحدثنا مع الناس، ولكن كل شيء يلفه الغموض واليأس التام، فهم فرحون بتحررهم، ويثنون على القوات الأمنية، ويترحمون على أرواح الشهداء الأبرار الأبطال، ويكبرون دور أبناء العراق الميامين من الجنوب وغيره، ويسردون مواقفهم المشرفة، وهذا عرفان وحب جميل لاشك فيه.. ولكن من مدخل المدينة الذي يربطها في بغداد يعاني الناس من تخريب الشارع العام من قبل العصابات الإرهابية الى الركام الذي هو أشبه بزلزال كبير من دون أي بادرة إعمار وضعف واضح بالآليات ونوعها ولادور عربي أو أقليمي أو عالمي ولا أمم متحدة ولا رسل سلام ونوايا حسنة وغير ذلك من تسميات رنانة من دون فعل إنساني حقيقي سوى دعاية وإعلان فارغ من محتواه.. والمناشدة الإنسانية هي للإعلام ودوره وتسليط الضوء على هذه الكارثة المترامية الأطراف التي تلف مدينة الموصل الحبيبة ومهمة بنائها وانتشالها من وضعها المأساوي لا يقل قيمة عن تحريرها والحفاظ على أمنها وديمومة الحياة فيها.. لسنا بوضع وردي من الخدمات وغيرها في بغداد والمحافظات الأخرى بسبب آفة المسؤولين الفاسدين، ولكن حملوني الناس الطيبين أهلنا في نينوى التحدث ونشر مأساتهم التي رأيتها ولمستها وأشهد عودي المسكين الذي ترنم حزناً ولوعةً لحالهم، وأنا أكثر مسكنةً وفقراً منه، كوني لست بمنصب ومسؤولية أو عضو بمنظمة أو برلمان، بل معلم مدرسة بسيط من الناس الذين سرقت حقوقهم وما أكثرهم في عراق الملمات.

ختم بالقول: مناشدتي لكل من يدعي الأنسنة والآدمية أن يسعف أهلنا بالموصل برفع الجثث من تحت الأنقاض ودفنها بما يليق بإنسانيتنا المثلومة دومًا من دون كمال حقيقي لها.


الفنان سامي نسيم
* مواليد ١٩٦٦ مدينة الرفاعي
* دبلوم معهد الفنون الجميلة وبكالوريوس كلية الفنون الجميلة
* دبلوم من جامعة كركاس وبلغاريا
* فائز بمسابقة العود الدولية بالمرتبة الأولى في بيروت عام ٢٠٠٠
* حاصل على جائزة الإبداع لمرتين عام ١٩٩٧ و٢٠٠٩ عن مؤلفاته الموسيقية
* باحث موسيقي وعازف وقائد في مؤتمر ومهرجان الموسيقى العربية في دار أوبرا القاهرة
* مؤسس لفرقة منير بشير للعود عام ٢٠٠١وفرقة بغداد للعود عام ٢٠١٣
* قدم حفلات عازف عود وقائد لفرقة بابل للتراث الموسيقي وفرقة ضفاف دجلة وفرقة منير بشير للعود وفرقة بغداد للعود في الدول العربية والأوربية والعالم / تونس / الأردن / لبنان / المغرب / مصر / الكويت / الإمارات / السعودية /الجزائر / سورية / قطر / النمسا / روسيا / بلغاريا / فنزويلا / صربيا / فرنسا / هولندا / بلجيكا / السويد

سامي نسيم يعزف هناك وموصلي يغني موال المحمداوي وسط خراب المدينة: