إيلاف من القاهرة: تكاد وقائع التحرش والاعتداء الجنسي تتحوّل إلى جزء من الحياة اليومية في مصر، ولا تزال تشغل تلك الحوادث بال كل المنظمات التي تسعى لمواجهتها والتعامل معها بكل حزم.

استهلت مجلة دير شبيغل الألمانية تقريراً مطولاً لها بهذا الخصوص بنقلها عن فتاة تدعى نور، لدى سؤالها عن أول مرة تعرضت فيها لتحرش جنسي، قولها: "حين كنت في الثامنة من العمر، وقت ذهابي لشراء كراسة رسم للمدرسة من حي شبرا، حيث قابلت رجلاً يبلغ من العمر 60 عاماً تقريباً وكان يحمل حقيبتي تسوق ولا يقوى على حملهما، فعرضت عليه المساعدة لتوصيل الحقيبتين إلى منزله، وفي الطريق، وضع الرجل يده على كتفي ثم تسللت يده لباقي أجزاء جسمي، وحينها تسمرت في مكاني، وقد طلب مني أن أذهب معه إلى شقته، قبل أن أبدأ في البكاء".

ونوهت نور إلى أنها كانت محظوظة لأن أصدقاء والديها شاهدوا الموقف وتصدوا لهذا الرجل المتحرش ودخلوا معه في مشادة ثم رحل في الأخير بعيداً عن المكان. ولم يتقدم أي من الشهود أو أي من أفراد عائلة نور ببلاغ للشرطة ولم يتحدث أحد عن الواقعة.

وتابعت نور التي تبلغ من العمر الآن 24 عاماً بقولها "كامرأة مصرية، فإنك تقضين حياتك كلها في التعامل مع العنف الجنسي. فوالدتي في منتصف الخمسينات ومازالت تتعرض للتحرش".

حسب دراسة أجرتها الأمم المتحدة عام 2013، فإن أكثر من 99 % من كل السيدات المصريات وقعن ضحايا للتحرش. كما أشار تقرير لمؤسسة تومسون رويترز إلى أن القاهرة هي أخطر المدن الكبرى في العالم للسيدات.

وكان هاشتاغ "أول مرة تعرضت فيها للتحرش الجنسي كان عمري" الذي أطلق على تويتر عام 2014 هو أول خطوة تبرز نطاق تلك المشكلة بوضوح. وقد تفاعلت أعداد لا تحصى من السيدات على هذا الهاشتاغ باشتراكهن بتغريدات يؤكدن من خلالها أنهن تعرضن من قبل لاعتداءات جنسية قبل بلوغهن سن المدرسة.

وكشف النقاش الذي أثير حول هاشتاغ "أنا أيضا" عن الطريقة التي يتم التستر بها على وقائع العنف الجنسي والتقليل منها حتى في المجتمعات ذات المؤسسات الديمقراطية العاملة.

تؤكّد دير شبيغل على أن المشكلة أبعد ما تكون عن الحلول الشفهية، خصوصا مع تحول فكر المتحرشين خلال الآونة الأخيرة ليشبعوا رغباتهم الحيوانية بشكل جماعي، عبر عمليات تحرش جماعي، عادة ما تكون أكثر وحشية وأكثر خطورة من حوادث التحرش التي تُنَفَّذ بشكل فردي.

تضيف نور: "أحاول أن أتماسك وأن أبدو واثقة بنفسي. لكن بمجرد أن أجد رجلاً يحدق في بالنظرات، تنتابني حالة من التوتر والعصبية".

حسب المادة 306 من قانون العقوبات، يتم تغريم الشخص المتورط في وقائع التحرش الجنسي بمبلغ يصل إلى 50 ألف جنيه مصري (2400 يورو) مع الحبس من 6 أشهر إلى 5 أعوام.

ونوهت المجلة إلى الجهود التي بذلتها الناشطة النسائية، مزن حسن، لإجراء هذا التعديل على القانون في العام 2014، ونقلت عنها قولها "هناك جدوى من وراء تلك العقوبات القانونية لأنها تلحق العار بالجاني أو الشخص المتورط في التحرش. لكن المشكلة هي أننا نعيش ثقافة عنف جنسي، فضلاً عن أن مجتمعنا يتقبل معاملة المرأة بطريقة غير محترمة، وهو واقع مؤسف يجب أن يتم العمل بشتى السبل لتغييره".

وواصلت المجلة بنقلها عن منتقدين قولهم إن المجلس القومي للمرأة يتحمل بعض المسؤولية لاستمرار المشكلة على هذا النحو، إذ أكد المنتقدون أن المجلس يفتقر للإرادة السياسية، التدابير الفعالية والشفافية، وهو ما يحول دون حدوث تغيير ملموس.

وأكملت المجلة بنقلها عن الصحافية المسيحية، كارولين كامل، قولها "ليس للتحرش الجنسي في مصر علاقة بالديانة، فالسيدات المسلمات المحجبات يتعرضن للتحرش بنفس الشكل الذي تتعرض به السيدات من باقي الأديان لنفس المشكلة. وتتزايد المخاطر على ما يبدو كذلك إذا كانت ترتدي السيدات ملابس غربية كاشفة للجسم".

وتقول عليا سليمان، من مبادرة خريطة التحرش،: "حين بدأنا في 2010، كان التحرش الجنسي من الأمور المحظور الحديث عنها، لأن الناس كانوا يخشون التحدث عن الموضوع، سواء سراً أو علانية. لكن الأمور بدأت تتغير الآن، حيث بدأ الناس يبلغون عن الجرائم ويكتبون عنها على شبكات التواصل الاجتماعي".

أعدت "إيلاف" المادة نقلا عن مجلة "دير شبيغل" الألمانية، الرابط الأصلي أدناه:

http://www.spiegel.de/international/tomorrow/almost-every-egyptian-woman-is-subjected-to-sexual-harassment-a-1198328.html