ليس من السهل الإطلاع على إنجيل غاريما. فهذه المخطوطات المسيحية التي يبلغ عمرها نحو 1500 سنة، ولعلها أقدم إنجيل موجود، هي ملك دير أبا غاريما، الذي يقع في منطقة نائية من إقليم تيغراي في شمال أثيوبيا. ويُسمح للباحثين بدخول الدير لدراسة المخطوطات أحيانًا، لكن السياح نادرًا ما يكونون موضع ترحيب.

إيلاف: في حين أن النزاع المستمر على مكان حفظ الإنجيل وطريقة حفظه نزاع محلي، فإن له دلالات رمزية أيضًا تتعلق بتقاليد غابرة القدم لدير منعزل، لكنها تعبّر عن الارتياب الذي تثيره برامج التراث الغربية أحيانًا. ويلخص النزاع دعاوى الطقوس المقدسة في مواجهة دعاوى البحث العلماني.

البحث عن مفاتيح تاريخية
تذهب الأسطورة إلى أن الإنجيل الذي كُتب باللغة الأثيوبية القديمة، نُسخ بيد الراهب أبا غاريما، وهو أمير بيزنطي أسّس الدير في القرن الخامس أو أوائل القرن السادس. تولى رهبان الديل حماية هذا الأثر من جيوش المستعمرين والحرائق. ونُهب الدير أو خُربت محتوياته أربع مرات على الأقل آخرها على يد المحتلين الإيطاليين في عام 1936، وكان يعاد بناؤه كل مرة.

لم تغادر مخطوطات الإنجيل جدران الدير، بل ظلت مجهولة للعالم الخارجي، إلى أن زارت الدير الفنانة الانكليزية بياتريس بلاين في أواخر الأربعينات.

ولأنه لا يُسمح للنساء بدخول الدير، فجيء بالمخطوطات إليها. وشهدت السنوات الأخيرة تزايد الاهتمام الأكاديمي بالمخطوطات. وقام صندوق التراث الأثيوبي، وهو منظمة خيرية بريطانية، بترميم المخطوطات في منتصف العقد الأول من القرن الحالي. واليوم يقف أمام باب دير أبا غاريما باحثون أجانب على أمل العثور على مفاتيح إنجيلية لتاريخ المسيحية الشرقية المبكر.

سرقات تغذي الشكوك
لكن شكوك الرهبان ما زالت عميقة نظرًا إلى التاريخ الطويل من السرقات الثقافية التي تعرّضت لها أثيوبيا. ففي إبريل هذا العام ستُعرض في متحف فكتوريا وألبرت في لندن كنوز نهبها البريطانيون في 1867 ـ 1868 رغم الدعوات القديمة التي تطالب بإعادتها إلى أصحابها.

وخلال الاحتلال الإيطالي نُقلت آثار عديدة من الكنائس الأثيوبية إلى متاحف روما، حيث اختفت لاحقًا. وشهدت الفترة الأخيرة زيادة في السرقات المدفوعة بازدهار السوق السوداء للآثار الأثيوبية.

تعكس هواجس الرهبان موقفًا أوسع ضد الباحثين، تتخذه الكنيسة الأرثوذكسية الأثيوبية. يقول باحثون إنه بات من المستحيل تقريبًا دراسة المخطوطات القديمة. فالتصوير الفوتوغرافي ممنوع، والجهود التي بذلتها مكتبات أثيوبية وأميركية لرقمنة مئات آلاف الكتب المسيحية المكتوبة على ورق الرق والبردي انتهت بصورة مفاجئة. ويثير نقل أشياء مقدسة إلى أماكن دنيوية، مثل المتاحف، قلقًا خاصًا في صفوف الرهبان.

دعوة إلى اليونسكو للتدخل
من جهة أخرى يخاف الباحثون على مستقبل الأناجيل القديمة في بيئتها الحالية. فعندما زار مؤرخ الفن الفرنسي جاك ميرسيه الدير في عام 1995 كان الجزء الثاني من الإنجيل مفقودًا. وإذ يدرك المؤتمَنون على هذه الآثار قيمتها المالية يزداد إغراء التربح منها، ومن الجائز أن يُرتشى بعض الرهبان لإخراج المخطوطات المكتوبة على ورق الرق، وعرضها للمشاهدة، وبذلك المخاطرة في إتلافها. 

يكمن وراء هذا الجدل خلاف أساسي على التراث. فمن في نهاية المطاف يملك دررًا أثرية مثل إنجيل غاريما؟. منذ الستينات على أقل تقدير تشدد وجهة النظر الغربية بشأن حفظ التراث على أنه ملك مشترك للإنسانية، ويجب اعتماد المبدأ القائل بتمكين الجميع من الإطلاع عليه.

يستعيض هذا الرأي عن مبدأ العائدية والملكية بمبدأ الوصاية والإشراف. لذلك يقترح مايكل غيرفرز المؤرخ في جامعة تورونتو الكندية أن تتدخل اليونسكو لحماية الإنجيل، فيما يرى آخرون أن الإنجيل يجب أن يوضع بعهدة المراجع الكنيسية بصورة موقتة.

عزلة حامية
يقول الباحث الأثيوبي غيتاهون غيرما أن الأديرة لا تملك الموارد من معرفة ومال وتنظيم للاضطلاع بالمهمة. لكن هذا الرأي ليس شائعًا في أثيوبيا، حتى إذا كانت الكنيسة تشجيع رسميًا على إبقاء الآثار في المتاحف. ومهما يكن من أمر فإن ديرًا في أثيوبيا يكون جزيرة معزولة تكاد كلمة العالم الخارجي لا تصل إلى أبوابه.

عزلة دير أبا غاريما أسهمت في بقاء المخطوطات سالمة طيلة قرون. وقد يكون الدير الذي يحوي هذه الكنوز بحاجة إلى تنظيم وتنظيف، لكن جفافه يحمي المخطوطات من التلف، وهو محروس حراسة شديدة.

يقول الباحث والقس في الكنيسة الأرثوذكسية الأثيوبية دانيل سيفي مايكل عن الرهبان "إن أشياء كثيرة فُقدت على امتداد التاريخ لكنهم حافظوا على هذه الكنوز وسيموتون من أجل حمايتها".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "الإيكونومست". الأصل منشور على الرابط أدناه:
https://www.economist.com/news/books-and-arts/21739139-garima-gospels-exemplify-wider-conflict-over-heritage-and-conservation-symbolic?frsc=dg%7Ce