وسط الحطام في سوريا يمكن أن تجد كل صور الدمار واليأس بعد أعوام من الحرب المتواصلة التي دمرت البلاد.

ورغم الحصار يوجد شباب يتعلمون في منطقة الغوطة الشرقية وأيضا يخططون لمستقبلهم.

ويعتمد هؤلاء على المنح التي تقدمها الجامعات في الخارج وتعلن عنها على شبكة الإنترنت الدولية لكن قبل ذلك عليهم أولا أن يجدوا الماء والغذاء للبقاء على قيد الحياة ثم عليهم أن يحصلوا على القدر الكافي من الكهرباء للولوج إلى شبكة الإنترنت عندما تكون متوفرة.

محمود شاب يافع لا يزيد عمره عن 20 عاما وكان يدرس تقنيات الحوسبة مع (جامعة الشعوب) التي يقع مقرها في الولايات المتحدة.

وتمنح هذه الجامعة درجات علمية للدارسين الذين لا يتمكنون من الحصول على درجاتهم من الجامعات المعتادة.

" قصف متواصل"

وتحت القصف المتواصل وسنوات من الحرب الدائرة في سوريا خضعت فيها المنطقة التي يعيش فيها محمود لحصار متكرر وطويل لذلك لم يكن باستطاعته أن يذهب إلى الجامعة.

ويقول محمود "عندما انتهيت من الدراسة الثانوية لم أستطع إيجاد جامعة تمنحني درجة الشهادة العليا في دراسة الحوسبة".

ويوضح أن الدراسة كانت ولازالت امرا هاما بالنسبة له فهو يبني طموحه المستقبلي عليها ليقوم باولى خطواته على طريق المستقبل.

واستخدم كثير من طلاب حلب (جامعة الشعوب) للحصول على درجاتهم العلمية خلال السنوات الماضية وبعدما تعرضت جامعة حلب للدمار لم يكن أمامهم بديل آخر إلا جامعة الشعوب.

وتسمح الجامعة لطلبتها بالدراسة والحصول على درجة عليا عبر شبكة الإنترنت وبدعم من شركة غوغل ومؤسسة (غايتس) ويشرف على الدراسة فيها اكاديميون متطوعون وبعضهم تقاعد عن العمل الجامعي.

وفي الغوطة الشرقية التي وصفها الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بأنها "الجحيم فوق الأرض" لايوجد في مستوى الدراسة الجامعية إلا 10 طلاب فقط.

"الأمل"

وربما يتسائل البعض كيف يمكن لطالب أن يراجع دروسه ويركز في تحصيلها خلال هذه الظروف؟

يقول محمود "بالطبع هناك الكثير من الظواهر النفسية التي يمكن لعلماء النفس دراستها فيما يجري حولنا".

ويضيف "عندما يصبح القصف أكثر شدة وقربا فالشيء الوحيد الذي نفكر فيه هو النجاة بحياتنا بالطبع، لكن عندما يخف القصف حتى ولو لفترات قصيرة نعود للتفكير في دراستنا ومستقبلنا".

من يزيل آثار الحرب من عقول الأطفال؟

ويؤكد محمود أنه يظن أن هذا النمط من الحياة والتفكير ربما يكون مشكلة نفسية في حد ذاته قائلا "عقولنا تفكر بشكل منفصل بين نمطين من أنماط السلوك فهناك انقسام واختلاف كبير بين نمط تفكير شاب في العشرين من عمره ينظر لما يمكن أن يحقق في مستقبله ونمط شاب آخر في نفس العمر يسعى لعبور ظروف صعبة والنجاة بحياته".

لكن وحسب محمود فإن الحصول على فرصة للدراسة في مكان معزول عن العالم ومحاصر أمر نادر وتفكير متفائل بشكل شديد.

وحتى الشهر الماضي كان من الصعب تدبير الظروف التي تسمح بمواصلة الدراسة سواء من ناحية الأمن أو من ناحية توفير الكهرباء المطلوبة للدراسة والتي توفرها أحيانا المولدات الكهربية الأهلية وهي أمور يجب توفرها جميعا علاوة على شبكة الإنترنت للدراسة والتواصل مع الأساتذة.

ويوضح محمود أن هذه الأمور كانت صعبة المنال تحت الحصار المفروض على الغوطة لكن خلال الأسابيع الماضية أصبحت الظروف أكثر سوءا فكل السكان في المنطقة التي يعيش فيها انتقلوا للحياة في أنفاق تحت الأرض للاحتماء من القصف.

يوم دام آخر

ماجد، طالب آخر يدرس في نفس المجال، دمر منزله تماما في القصف الجوي وأصبح يعاني في الدراسة باستخدام شبكة إنترنت ضعيفة وبوجود مشاكل في شحن حاسوبه وهاتفه بسبب انقطاع الكهرباء، وفي الوقت الذي يستعد فيه الكثير من الطلاب لأداء الاختبارات السنوية وجه ماجد رسالة للجامعة يقول فيها "لقد مررنا بيوم دام، عشرات الغارات الجوية".

ويشير ماجد إلى أنه بالرغم من إقرار هدنة في بعض الأوقات إلا أن انقطاع الكهرباء وضعف شبكة الإنترنت أمورا متواصلة ولاتتغير إلا نادرا، وبسبب هذه الحرب الطويلة يعبر ماجد أيضا عن خوفة على مستقبل الجيل المقبل في سوريا والذي لم يتمكن من مواصلة تعليمه بسبب الظروف.

ورغم كل هذه الظروف لازال ماجد "مؤمنا" ويؤكد أنه سيواصل تعليمه حتى يحصل على درجة الدكتوراه قائلا "أعتقد أن التعليم سيساعدنا على بناء مستقبلنا".