أقيم قبل أيام حفل في دار الأوبرا الوطنية الهولندية للاحتفاء بمدرب السباحة السنغالي، مامادو ندياي، الذي قام في سبتمبر الماضي بالسباحة لمدة 24 ساعة في المحيط الأطلنطي وتم تصوير تلك المغامرة بواسطة فريق مصورين رافقوه على متن قارب إلى جانب مجموعة من كاميرات الدرون الآلية التي ظلت تحلق فوقه على مدار 4 أيام.

وشارك بالحفل، الذي عرضت فيه صورة مامادو على شاشة عملاقة من القماش، جوقة تتألف من 115 مغنيا، حيث قاموا بنشد مقطوعة Das Floss der Medusa الموسيقية للملحن الألماني الراحل هانز فيرنر هينز. وحضر الحفل لفيف من المعارف العاملين بمختلف أشكال الفنون، في أجواء تسودها ويلات تاريخية ومأساة حديثة.

ونوهت بهذا الخصوص مجلة الايكونوميست البريطانية إلى أن تلك المقطوعة التي عزفها هينز استوحت من اللوحة التي قدمها الرسام الفرنسي، تيودور جيريكو، عام 1819 بعنوان The Raft of the Medusa. وهي اللوحة التي جسَّد جيريكو من خلالها الفاجعة التي تعرضت لها فرقاطة Méduse التابعة للبحرية الفرنسية قبلها ب 3 أعوام ( تحديدا في العام 1816 ) بعد أن جنحت قبالة الساحل الغربي لقارة إفريقيا.

وفور صعود كبار القادة على متن قوارب النجاة التي كانت متاحة وقتها، سارع الطاقم لصنع عوامة إنقاذ كي تقلهم ثم ربطوها بقوارب النجاة.

ونظرا لعدم قدرة قوارب النجاة على التحرك للأمام، أصدر الضابط المسؤول أوامره بقطع الحبال التي كانت تربط بين القوارب وعوامة إنقاذ الطاقم، الذي كان يزيد عددهم عن 150 رجلا وامرأة، ليواجهوا بعدها مصيرا مأساويا انتهى بانتحار البعض واقدام بعضهم على قتل البعض منهم وكذلك إلتهام لحم من كانوا يقتلونه أو يجدونه منتحرا، ولم يبق منهم سوى 10 فقط على قيد الحياة. 

وجسدت اللوحة التي رسمها جيريكو اللحظة التي قام فيها أحد أفراد الطاقم ( جان تشارلز ) برفع علم أحمر يشير لوجود سفينة بعيدة.

وبينما تحولت قصة الفرقاطة Méduse إلى فضيحة دولية، فقد كان لمقطوعة Das Floss der Medusa تاريخها الصاخب في حد ذاتها، حيث كان يفكر هينز في تقديمها كقداس لتشي جيفارا، وقد أدى العرض الأول لها في هامبورغ عام 1968 إلى نشوب تظاهرات سياسية تحولت لأعمال شغب، وألغى بالفعل ظهورها الأول قبل أن يبدأ. 

ثم سمعت المقطوعة أخيرا للمرة الأولى في العام 1971 بالعاصمة النمساوية، فيينا، ولم تعزف بعدها سوى بضع مرات تعد على أصابع اليدين كما لم تعزف مطلقا على المسرح، إلى أن تم إنتاجها بشكل جديد في أمستردام على يد المخرج الايطالي روميو كاستلوتشي.

وتعامل روميو مع المقطوعة من منطلق أنها تعكس محنة آلاف المهاجرين الذين يغرقون كل عام في البحر الأبيض المتوسط خلال محاولتهم الوصول إلى أوروبا. ونقلت عنه الايكونوميست قوله "أتصور أن لوحة Raft of the Medusa هي استعارة للحالة الإنسانية ولفقراء وبائسي الأرض الذين يتم التخلي عنهم باستمرار من قبل الأقوياء".

وأوضح روميو أن أحد الأسباب التي تقف وراء عدم عزف المقطوعة مرات كثيرة هي أنها تتطلب جوقة ضخمة من المغنيين، مشيرا إلى أن التحدي الرئيسي الذي كان عليه تجاوزه هو أن يتمكن من الحفاظ على الزخم المثير بالرغم من عدم وجود أي نشاط أو حركة.

أعدت "إيلاف" المادة نقلا عن مجلة "الايكونوميست" البريطانية، الرابط الأصلي أدناه
https://www.economist.com/news/books-and-arts/21739137-rarely-performed-work-evokes-europes-migrant-crisis-song-peril-sea-art-and?frsc=dg%7Ce