«إيلاف» من برلين: تكشف دراسة سويدية جديدة ان عوامل الخطورة في التعرض للجلطات والسكتات الدماغية عند الوحدانيين والمنعزلين اجتماعياً تختلف كلياً عن مخاطر نفس الأمراض لدى الناس الذين يعيشون حياة اجتماعية اعتيادية.

وواقع الحال ان العديد من الدراسات العلمية الجادة أثبتت ارتفاع نسبة الوفيات المبكرة بين المنعزلين اجتماعياً بالمقارنة مع غيرهم، إلا ان هذه الدراسات لم تسبر غور العوامل الاجتماعية والصحية التي تخلق هذه الظاهرة.

ولكن الدراسة الجديدة، التي شملت470 ألف إنسان، تثبت هذه العلاقة بين أمراض القلب والدماغ والوحدانية والعزلة الاجتماعية، وتكشف عن أسبابها.

علماً أن« بارومتر المخاطر الألماني» الذي وضعه البروفيسور كلاوس هايلمان، يشير إلى ان مخاوف الألمان من الموت بسبب الإرهاب والكوارث الطبيعية والأمراض السرطانية ليس واقعياً، لأن مخاطر الموت بسبب الجلطة القلبية والسكتة الدماغية أعلى بكثير، وخصوصاً بين الفقراء والمنعزلين اجتماعياً.

وكتب الباحث الدكتور كريستيان كاولينين، من جامعة هيلسنكي، في مجلة"القلب" ان الوحدانيين والمنعزلين اجتماعياً مقتنعون بأنهم أكثر عرضة من غيرهم لأمراض القلب والسكتات الدماغية.

ويشكل الوحدانيون والمنعزلون اجتماعياً نسبة9% ممن شملتهم الدراسة من معدل أعمار56 سنة، وربما ان هذه هي نسبتهم في المجتمع السويدي. وذكرت نسبة49% من هؤلاء عن وعي أنهم يعرفون بأن مخاطر تعرضهم للجلطات القلبية والسكتات الدماغية هي أعلى بين الناس المنعزلين.

وبالأرقام تزيد مخاطر الجلطة القلبية بين الوحدانيين والمنعزلين اجتماعياً بنسبة42% عن مخاطر تعرض الناس الاجتماعيين لهذا المرض. وتزيد أيضاً بين الوحدانيين بنسبة39%، في حالة السكتات الدماغية، بالمقارنة مع بقية الناس.

وصنف فريق العمل كل شخص يلتقي أقل من مرة واحدة في الشهر مع أصدقاء أو أفراد من العائلة، ولايشارك خلال هذه الفترة في نشاطات وفعاليات جماعية، في خانة "الوحدانيين" و"المعزولين اجتماعياً".

مخاطر أخرى بنسبة83%

فحص فريق العمل بقياة هاكولينين معظم المنعزلين اجتماعياً، الذين شملتهم الدراسة، فحوصات طبية مركزة وعلى مدى فترات طويلة. واستطاعوا تشخيص عوامل مخاطر أخرى، غير تلك التي تتوفر عند مرضى الجلطات القلبية والسكتات الدماغية عند عادة الناس.

وكانت معظم هذه العوامل المختلفة بيولوجية المنشأ بحسب الفحوصات الطبية. إذ كان الوحدانيون والمنعزلون اجتماعياً أكثر بدانة من غيرهم على العموم، كما كان ضغط الدم أعلى عندهم كمعدل قياساً بعامة الناس.

أثبتت الفحوصات والاستجوابات أيضاً عن نتيجة مفادها ان المنعزلين اجتماعياً أكثر ميلاً للتدخين وتعاطي الكحول وقلة الحركة وضعف أو عدم ممارسة الرياضة.

وتؤكد الدراسة أيضاً ما أثارته دراسات سابقة عن علاقة الوضع الاجتماعي- الاقتصادي بزيادة مخاطر التعرض لأمراض القلب والدماغ. فكان المنعزلون اجتماعياً أقل من الاخرين من ناحية التحصيل العلمي والموارد المالية. وكانوا، وهذا طبيعي، اكثر عرضة للأمراض النفسية مثل الاكتئاب والاضطرابات والصدمات العاطفية.

مخاطر أعلى عند فئة أخرى

استنتج فريق العلماء من هذه الفحوصات ان العزلة الاجتماعية تنعكس مباشرة على القلب والدورة الدموية والدماغ، وان عوامل الخطورة بين الوحدانيين تختلف فعلاً عن مخاطر الناس العاديين.

وطبيعي، شملت الدراسة السويديين من الجنسين وكان تأثير العزلة على قلوب وأدمغة النساء لايختلف عنه بين الرجال، كما كانت عوامل البدانة والاكتئاب والتدخين وتعاطي الكحول مماثلة. مع ملاحظة ان نسبة الوفيات بسبب الجلطة القلبية بين النساء زادت بنسبة10% خلال العقدين الماضيين. 

الاستثناء الأخر الملحوظ، بحسب الدراسة، هو ان مرضى القلب القدماء، أي المنعزلين الذين كانوا يعانون سلفاً من أمراض القلب قبل بدء الداسة، اثبتوا نسبة خطر أعلى بكثير للاصابة بجلطات القلب، بالمقارنة مع بقية المنعزلين اجتماعياً الذين اصيبوا بهذه الأمراض بعد بدء الدراسة.

ورغم النتائج الواضحة للدراسة عن علاقة أمراض القلب والدماغ بالعزلة الاجتماعية، كتب فريق العمل ان هذا لاينطبق بالضرورة على كافة المنعزلين اجتماعياً. ودعا هاكولينين إلى دراسات اخرى للغور أكثر في أعماق الموضوع.