«إيلاف» من دبي: في أحيان كثيرة، يعود أحدنا من رحلة طويلة فيجد نفسه متوعكًا، فيكون تعليق الطبيب أنه ربما تعرض لجرثومة من ملايين الجراثيم التي تتفشى في الطائرات. هذا ليس مستغربًا، فالكثير من التقارير الصحية والبيئية يتكلم في الواقع على أن تلوث الهواء في الطائرات أمر شائع.
بحسب تقرير نشه موقع "العلوم للعموم" (Popular Science)، تجعلنا الطائرات نؤمن بحقيقة مفادها أن البشر أجسام محمّلة بالفيروسات ومثقلة بالأمراض، "إذ يمكنك تجنب أي شخص يسعل في محل البقالة، لكن لا يمكنك الهروب من استنشاق نفس الهواء المعاد تدويره والذي يستنشقه شخص يجلس في مقعد آخر ويبدو كأنه يسعل بشدة".
يسافر ثلاثة مليارات شخص بالطائرة في كل عام، وأظهرت الدراسات أن العديد من الأمراض الخطيرة انتقلت إلى مناطق لم تكن لتصل إليها أبدًا من دون الطائرة، "إذ انتقل فيروس سارس من هانوي عاصمة فيتنام إلى باريس خلال 14 ساعة و50 دقيقة فقط، كما انتقل فيروس إنفلونزا H1N1 من لوس أنجليس إلى أوكلاند وبرمنغهام في أقل من 10 ساعات، ولم يكن هذا الانتقال ممكنًا بدون السفر الجوي".

قريب جدًا
لكن البحوث الحديثة تشير إلى أن هذه استثناءات تثبت القاعدة، إذ يجب أن يكون المسافر قريبًا جدًا من راكب مريض للإصابة بمرضه، اعتمادًا على الحركة أثناء الرحلة، وتكون معظم الأسطح الموجودة داخل الطائرة نظيفة بشكل مدهش.
وينسب التقرير إلى هوارد وايس، أستاذ الرياضيات في معهد جورجيا التقني وأحد مؤلفي الدراسة ويعمل على نمذجة انتقال المرض: "إذا كنت تجلس بعيدًا عن أحد الركاب المريضين بمتر واحد، فمن غير المرجح أن تصاب بالعدوى في أثناء الرحلة". 
لإنشاء هذا النموذج، طار فريق من جامعة إيموري ومعهد جورجيا التقني على متن 10 رحلات جوية بين أتلانتا والساحل الغربي الأميركي، وسجلوا التفاعلات التي قام بها المسافرون بعضهم مع بعض. وبحسب التقرير، "تعدّ المسافة الجسدية القريبة هي المسؤولة عن انتشار العديد من الأمراض، لذلك فإن أي اتصال بين المضيفات أو الأشخاص المجاورين فرصة لنشر الفيروس. وما يثير الدهشة أن هناك الكثير من التفاعلات، على الرغم من عدم وجود الكثير من السعال".
يقول وايس: "أكثر ما أدهشني هو أنه في 10 رحلات جوية، ثمانية منها خلال موسم الإنفلونزا، كان هناك راكب واحد فقط يسعل من أصل 1500 راكب، كما فاجأني العدد الهائل للتفاعلات، نحو 5000 تفاعل خلال رحلة مدتها أربع ساعات".

نتيجة سالبة
يوضح الأنموذج الحسابي في الدراسة أن الشخص المريض لن يؤدي إلا إلى انتشار المرض للأشخاص الموجودين في صفه وصف واحد أمامه وخلفه. يمكن اعتبار هذه المنطقة "منطقة انتشار العطاس". وخارجها، يبدو أن الركاب آمنون.
ومسح الباحثون العديد من الأسطح الصلبة في الطائرة: مقابض باب الحمام، مشابك أحزمة الأمان والطاولات، فجاءت كلها بنتيجة سالبة لمجموعة من 18 فيروسًا تنفسيًا. ويعني هذا، بحسب التقرير، أنه لم يكن هناك الكثير من المرضى الذين يطيرون في تلك الأيام بالذات، أو أن شركات الطيران جيدة جيدًا في التعقيم، ولا معلومات حتى الآن عن نظافة قماش المقاعد.
يبدو أيضًا أن أنظمة ترشيح الهواء في الطائرات جيدة جدًا، "فقد يكون الهواء المعاد تدويره مزعجًا، لكن يتم إرساله من خلال مرشح HEPAالذي يزيل 99.9 في المئة من الجسيمات الموجودة في الهواء، وهو ما تستخدمه المستشفيات في غرف العمليات ووحدات العناية المركزة. ويبقى الهواء يدور أيضًا في منطقة صغيرة جدًا، كل صفين تقريبًا، ولذلك ربما تنحصر الفيروسات الجوالة في حلقة هوائية صغيرة".

أكثر عرضة
يؤكد تقرير "العلوم للعموم" أن ما سبق ذكره لا ينطبق بالضرورة على الطائرات الأكبر أو الأصغر ذات أوقات الطيران الأقصر أو الأطول، ولا على الفيروسات كلها. فالحصبة مثلًا فيروس صغير للغاية يبقى محمولًا في الهواء لفترات طويلة من الزمن. 
يقول التقرير: "على الرغم من أن هذه الدراسة قامت بأفضل ما يمكنها القيام به مع البيانات المتوافرة لديها، فإن 10 رحلات جوية لا يزال عددًا صغيرًا جدًا، ومن المحتمل أن تكون الطائرات بالمتوسط أكثر قذارة (أو تحمل ركابًا أكثر مرضًا). وكما هو الحال دائمًا في مجال العلوم، فإننا بحاجة إلى المزيد من البيانات للتأكد".
لكن ما نعرفه جميعًا هو الآتي: يجعلك وجودك حول الكثير من الأشخاص، خصوصًا في أثناء القيام بشيء مرهق مثل السفر، أكثر عرضة للإصابة بالمرض. وايس ينصح بممارسة عادات النظافة الجيدة وإبقاء اليدين بعيدًا عن الوجه، "فيجب علينا أن نغسل أيدينا بشكل أكثر، وأشك في أن الكثير من الناس لا يفهمون أهمية النظافة الجيدة للأيدي".
فمشاركة كوب ماء مع صديق مصاب بالعطاس ليس أمرًا خطيرًا بسبب إمكانية شربك لماء ملوث، وإنما لأنك عرضة للمس وجهك بعد وقت قصير من لمس الكوب، ونقل الفيروس إلى الأغشية المخاطية الضعيفة.

الصعود والنزول
من ناحية أخرى، أكد باحثون في جامعتي ولايتي أريزونا وفلوريدا وجامعة إمبري ريدل للطيران، أن لطريقة صعود المسافرون إلى الطائرات دور في انتشار الأمراض المعدية، بحسب ما نقلت "إيكونوميست". فالطريقة التقليدية لصعود الركاب إلى الطائرة يقضي بتقسيم الطائرة إلى ثلاثة أجزاء وصعود الركاب من الأمام إلى الخلف. لذلك، هناك احتمال 67 في المئة أن يصاب نحو 20 مسافر بأحد الفيروسات شهريًا، فالركاب يتجمعون بشكل مكثف في انتظار أن يقوم الركاب الذين سبقوهم إلى داخل القمرة بوضع حقائبهم في أماكنها.
يقترح الباحثون تقسيم الطائرة إلى جزئين والسماح للركاب بالصعود بشكل عشوائي، فتتراجع نسبة احتمال إصابة عشرين شخصا بأي نوع من الفيروسات شهريا إلى 40 في المئة.
كذلك، كشفت الدراسة التي نشرتها "إيكونوميست" أن عملية إخلاء الطائرة ليست مهمة جدًا، ما دامت تجري بسرعة، لكن يبقى هناك عامل أساس آخر في ما يتعلق بإمكانية انتشار الفيروسات: حجم الطائرة. تعد مخاطر انتشار الجراثيم في الطائرات الصغيرة، التي لا يتجاوز عدد مقاعدها 150 مقعدًا، محدودة مقارنة بالطائرات الضخمة، فعملية ركوب الطائرات الكبيرة تستغرق وقتًا أطول، إضافة إلى الفوضى التي تزيد نسبة خطر التعرض للجراثيم.



أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مصدرين اثنين. الأصلان منشوران على الرابطين:
https://bit.ly/2pQqgAM
https://www.economist.com/blogs/gulliver/2017/08/come-flu-me