واشنطن: قد تكون مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب المرتبطة بالسياسة الخارجية غالبا غير واضحة أو غير ثابتة، لكن حتى بمعاييره التي تشوبها الفوضى، فإن موقفه حيال التدخل الأميركي في سوريا تغيّر بشكل كبير. 

قبل وصوله إلى المكتب البيضاوي، كان ترمب في المعسكر المناهض بشدة للحرب، وأظهر تعاطفا علنيا مع روسيا وعارض أي تدخل عسكري أميركي لمعاقبة نظام بشار الأسد. 

في أواخر العام 2013، عندما كان الرئيس السابق باراك أوباما يفكر بتنفيذ ضربات على سوريا لمعاقبة الأسد لاستخدامه أسلحة كيميائية، شكك ترمب في جدوى ذلك. وقال عبر موقع "تويتر"، "ماذا سنجني من ضرب سوريا غير مزيد من الديون ونزاع محتمل طويل الأمد؟ يحتاج أوباما إلى موافقة الكونغرس". 

وعندما بدا أوباما فعلا مستعدا للتحرك وبدأ أعضاء مجلس الشيوخ بتحضير قرار للسماح باستخدام القوة، شدد ترمب موقفه قائلا "ما أقوله هو ابقوا خارج سوريا". وأضاف "أكرر مرة أخرى لقائدنا الأحمق، لا تهاجم سوريا. في حال فعلت ذلك، ستحدث أشياء عديدة سيئة ولن تحصل الولايات المتحدة على شيء من هذه الحرب!". 

ولم يشن أوباما أي غارات على سوريا حيث لا تزال الحرب مشتعلة، وزادت تعقيداتها مع تدخل روسي وتزايد التدخل الايراني، فيما غادر أوباما البيت الأبيض. 

مع وصوله إلى البيت الابيض، باتت أنظار العالم مسلطة على ترمب لمعرفة موقفه من النزاع السوري، وبدأت آراؤه بالتبدل. 

في ابريل العام الماضي، عندما اتُّهم الأسد بشن هجوم دام بغاز السارين على بلدة خان شيخون الخاضعة لسيطرة المعارضة، أمر ترمب برد عسكري أميركي عقابي.

وأمطرت الولايات المتحدة قاعدة جوية سورية بأكثر من 50 صاروخا من طراز كروز. لكن أول تدخل عسكري خارجي لترمب، والذي تصدر عناوين الأخبار، كان تحركا لمرة واحدة فقط ولم يغير المشهد على الارض. 

واستمر موقف ترمب بشأن سوريا بالتطور. 

في يناير، رسم وزير الخارجية الأميركي آنذاك ريكس تيلرسون ملامح استراتيجية جديدة لهزيمة ما تبقى من تنظيم الدولة الإسلامية ومواجهة النفوذ الايراني. 

وللمرة الأولى، أشار تيلرسون إلى أن القوة الأميركية الصغيرة المنتشرة في شرق سوريا تعطي الولايات المتحدة قدرة على الضغط على الأسد للانضمام إلى محادثات سلام مع المعارضة المسلحة. 

وقال إن "استمرار التواجد الأميركي لضمان هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية بشكل دائم سيساعد كذلك في تمهيد الطريق أمام السلطات الشرعية المحلية المدنية لإدارة مناطقهم المحررة". 

وحذر من أن "انسحابا كاملا للعناصر الأميركيين في هذا الوقت سيعيد (النفوذ إلى) الأسد ويتسبب باستمرار معاملته الوحشية لشعبه". 

وبالتوازي مع الإعلان عن استراتيجية إقليمية واسعة لمواجهة نفوذ ايران، أشار خطاب تيلرسون إلى أن ترمب اقتنع بإطالة أمد التدخل الأميركي. 

لكن الأمور تبدلت مجددا. ففي أواخرمارس هذا العام خلال خطاب شعبوي في أوهايو، قال ترمب "سنخرج من سوريا قريبا جدا. فليهتم بها آخرون الآن".

موقف أكثر تشددا

وأثار إعلانه هذا حالة من الارتباك والاستياء في دوائر السياسة الخارجية في واشنطن، بما في ذلك بين الكثير من كبار مستشاريه الذين ضغطوا من أجل اتخاذ مواقف أكثر تشددا حيال روسيا وايران. وبدا أنه تراجع عن طلب سحب القوات من سوريا. 

فقد التقى الرئيس كبار جنرالاته الأسبوع الماضي من دون أن يطلب جدولا زمنيا للانسحاب. إلا أن البيت الأبيض قال إن المهمة العسكرية تشارف على نهايتها "بشكل سريع". 

وبعد ذلك، جاءت التقارير عن هجوم بالأسلحة الكيميائية على مدينة دوما أسفر عن مقتل أكثر من 40 شخصا وفق منظمة الخوذ البيضاء (الدفاع المدني في مناطق المعارضة)، وتم التداول بصور أظهرت أطفالا بين عداد القتلى. 

بدا ترمب ساخطا إثر الهجوم، وتوقف الكلام عن سبعة تريليون دولار قال في وقت سابق إن الولايات المتحدة أضاعتها على حروب الشرق الأوسط دون أي مقابل. 

وأعلن ترمب أن المسؤولين عن الهجوم - الأسد وربما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - سيدفعون "ثمنا باهظا"، فيما اجتمع مجددا مع كبار قادة المؤسسة العسكرية لمناقشة الرد. 

وأتى الرئيس على ذكر سلفه أوباما مجددا بتغريدة إذ هاجمه على خلفية فشله في الرد على خرق "الخط الأحمر" الذي كان رسمه بنفسه بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية، وهو الخط ذاته الذي كان ترمب حثه بشدة في السابق على عدم تطبيقه.