تضيف الزيارة التاريخية للأمير محمد بن سلمان إلى أسبانيا بعدًا جديدًا إلى العلاقات المتينة بين السعودية وأسبانيا، على مستويات مختلفة، خصوصًا من حيث مساهمة هذا البلد الأوروبي في تنفيذ رؤية السعودية 2030. 

في ثاني أيام زيارته الرسمية إلى أسبانيا، التي وصلها في وقت متأخر الأربعاء قادمًا من فرنسا، التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان محادثات مع العاهل الإسباني الملك فيليبي السادس الخميس. وتزامن اللقاء مع مفاوضات لبيع السعودية سفنًا حربية أسبانية.

خمسة طرادات

الملك فيليبي السادس مستقبلا ولي العهد السعودي

فقد وصل الأمير محمد بن سلمان بعد ظهر الأربعاء إلى قاعدة تورّيخون الجوية على مشارف مدريد في زيارة وصفها مصدر حكومي إسباني رفيع لـ"الشرق الأوسط" بأنها "فاتحة مرحلة جديدة ترسّخ العلاقات التاريخية الوثيقة التي تربط إسبانيا بالقوة الإقليمية الأولى في منطقة الشرق الأوسط"، أضاف المصدر: "إن المملكة العربية السعودية، إضافة إلى دورها الاقتصادي الوازن إقليميًا ودوليًا، هي مفتاح حلول معظم الأزمات التي تعصف بمنطقة تعتبرها إسبانيا حيوية بالنسبة إلى أمنها الاستراتيجي".

ذكرت صحيفة "إل باييس" الإسبانية أن الزيارة سيتخللها التوقيع على عقد قيمته 2,5 مليار دولار، تشتري بمقتضاه الرياض خمسة طرادات من شركة نافانتيا الاسبانية. كما تعلّق أحواض بناء السفن الإسبانية التي تعاني عجزًا ماليًا كبيرًا آمالًا كبيرة على هذه الصفقة.

ونقلت رويترز عن مصدر في وزارة الدفاع الإسبانية قوله إن الصفقة تسمح لشركة بناء السفن الإسبانية المملوكة للدولة "نافانتيا" ببيع 5 سفن حربية، مشيرًا إلى أن الجيش الإسباني سيشارك في تدريب العسكريين السعوديين على استخدامها، وسيقيم مركزًا للإنشاءات البحرية في السعودية.

أساس صلب

تتفاوض السعودية مع إسبانيا منذ عام 2015، وأن الاتفاقية الحالية إطارية، وأن استكمال بنودها سيستغرق وقتًا أطول، بحسب وزارة الدفاع الإسبانية.

وتعد إسبانيا رابع أكبر مصدر للأسلحة إلى السعودية بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بحسب "ديلي ميل" البريطانية.

 رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي ومحمد بن سلمان

استقبل الملك الامير محمد بن سلمان الذي يشغل كذلك منصب وزير الدفاع ويشرف على السياسة الاقتصادية في المملكة الغنية بالنفط، في قصر زارزويلا على مشارف مدريد قبل مأدبة غداء اقيمت على شرف ولي العهد السعودي.

ونسبت "الشرق الأوسط" إلى الملك السابق خوان كارلوس أمله في "أن يكون هذا اللقاء الشخصي الأول بين الملك الشاب وولي العهد السعودي الشاب أساسًا تترسّخ عليه العلاقات التاريخية التي تربط إسبانيا بالمملكة العربية السعودية في مجالات عدة"، علمًا أن خوان كارلوس أدى دورًا أساس في إبرام أكبر اتفاق اقتصادي بين البلدين قيمته 8 مليارات دولار، تبني إسبانيا بموجبه قطار الحرمين السريع الذي يربط مكة المكرمة بالمدينة المنورة.

وعلمت "الشرق الأوسط" أن البلدين سيبحثان فرص مشاركة إسبانيا في مشروعات "رؤية 2030"، وفي أوجه التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب الجهادي المتطرّف.

واجتمع الأمير محمد بن سلمان مع وزيرة الدفاع الإسبانية ماريا دولوس دي كوسبيدال بمقر قيادة الجيش بالعاصمة مدريد. وتم في الاجتماع عرض للعلاقات الثنائية ومجالات التعاون القائم بين البلدين، ومواصلة تطويره، في الجانب الدفاعي والعسكري، والفرص الواعدة لنقل وتوطين التقنية وفق رؤية المملكة 2030، إضافة إلى بحث تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والعالم، والجهود المبذولة بشأنها، بما فيها جهود محاربة الإرهاب ومكافحة التطرف.

بعد جديد

وكانت صحيفة "عرب نيوز" السعودية الناطقة بالإنجليزية قد نقلت عن ألفارو إيرانزو غوتيريز، سفير اسبانيا لدى السعودية، قوله إن هذه الزيارة التاريخية لولي العهد الامير محمد بن سلمان إلى اسبانيا ستعطي "بعدًا جديدًا" للعلاقات السعودية الأسبانية المتنامية.

أضاف: "تتم هذه الزيارة في لحظة حاسمة في علاقتنا الثنائية، حيث نحدد كيف يمكن لأسبانيا أن تساعد السعودية في عملية التحول الاقتصادي، فالمملكة العربية السعودية هي بالفعل واحدة من أهم شركاء أسبانيا في العالم العربي على جميع الصعد"، مشيرًا إلى أن المملكة وأسبانيا، في إطار شراكتهما الاستراتيجية التي سيتم الإعلان عنها خلال الزيارة، تسعيان إلى تعزيز الحوار وتوسيع التعاون في عدد من القطاعات ذات الاهتمام المشترك، والتي تتماشى بشكل وثيق مع الأهداف الأساسية لرؤية السعودية 2030، وتشمل هذه القطاعات الطاقة والطاقة المتجددة والبنية التحتية والصناعات غير النفطية والنقل والسياحة والثقافة والترفيه والعلوم والتكنولوجيا والدفاع.

تعزيز الاستثمار

تابع: "إن إطلاق شراكة استراتيجية بين البلدين يساعد على تحديد فرص الاستثمار وتعزيزها، كما أن المجلس الثنائي الذي يرئسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الإسباني سيجتمعان بشكل منتظم لتوفير الدفع والتوجيه لهذه الشراكة، كما أن العلاقة السياسية الممتازة رعتها العائلتان الملكيتان على مدى عقود".

وبحسب غوتيريز، تملك أسبانيا قدرات دفاعية صناعية وتكنولوجية هامة، ونحن ملتزمون توزيد السعودية بالوسائل اللازمة للدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها.

أما على الصعيد التجاري، فقال إن السعودية وأسبانيا وثقتا علاقاتهما، "فالمملكة العربية السعودية أكبر شريك تجاري لأسبانيا في الشرق الأوسط، بقيمة إجمالية تجاوزت 5.5 مليارات يورو في عام 2017، لكن طموحاتنا تتجاوز هذه الأرقام، فعدد كبير من الشركات الأسبانية مُنح مشروعات كبيرة في المملكة".