واشنطن: الضربات العسكرية الدقيقة الأهداف والمحدودة التي قادتها الولايات المتحدة ضد نظام دمشق، لم تساهم في توضيح الاستراتيجية الأميركية حيال سوريا، كما إنه من غير المتوقع أن تحرك العملية الدبلوماسية المتعثرة بعد سبع سنوات من حرب تزداد تعقيدا.

أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب السبت ان "المهمة انجزت" وذلك بعد ساعات على إعلانه رسميا تنفيذ "ضربات دقيقة" في سوريا ليل الجمعة السبت ردا على هجوم كيميائي مفترض وقع في السابع من ابريل في مدينة دوما وتتهم واشنطن نظام الرئيس السوري بشار الأسد بتنفيذه.

وتعتقد الولايات المتحدة أنه تم استخدام غاز السارين إضافة إلى غاز الكلور في الهجوم على دوما، وفق ما أفاد مسؤول أميركي كبير طلب عدم كشف هويته.

وتشدد واشنطن على "التحالف" الذي "شكله (ترمب) مع عضوين دائمين آخرين في مجلس الأمن الدولي" هما فرنسا وبريطانيا.
وقال مسؤول أميركي كبير طلب عدم كشف اسمه إن الضربات كانت "ردا من قبل تحالف (...) يتباين مع تحرك الولايات المتحدة بشكل منفرد قبل عام" حين أمر ترمب بقصف قاعدة جوية سورية في ابريل 2017 بعد هجوم قاتل بغاز السارين على بلدة خان شيخون التي كانت تسيطر عليها المعارضة. 

لكن بالرغم من الأصداء الإعلامية، فإن "المهمة" كانت محدودة للغاية، بعد أسبوع من التهديدات والمباحثات المكثفة التي أثارت تكهنات كثيرة حول إمكانية تنفيذ حملة غارات على نطاق واسع.

وقال الباحث في مركز "المجلس الأطلسي" للدراسات في واشنطن فيصل عيتاني لوكالة فرانس برس إن "الأهداف كانت جميعها على ارتباط وثيق وحصري مع إنتاج أو تخزين أسلحة كيميائية" مشيرا إلى أنه "لم يتم حتى المس بوسائل إطلاقها".

ورأى أن "هذه الضربات قد توجه إلى الأسد الرسالة الآتية: +لا يحق لك تنفيذ هجمات كيميائية، لكن إن أردت القيام بكل ما تبقى فبإمكانك ذلك+". فالولايات المتحدة أعلنت بوضوح أنها لا تنوي التدخل بما يتخطى هذا الهدف في النزاع الجاري بين النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران، والفصائل المعارضة.

وقالت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي السبت "إن استراتيجيتنا حيال سوريا لم تتغير". ويعلق معظم الخبراء الأميركيين على هذا التصريح متسائلين بالإجماع "أي استراتيجية؟".

استراتيجية سلام متعثرة
وإذ اعتبر رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس في تغريدة على تويتر أن الضربات الغربية في سوريا "مشروعة"، لفت إلى أنه "ليس هناك تغيير ملحوظ في السياسة الأميركية حيال سوريا". وأكد هذا الدبلوماسي السابق الذي يحظى باحترام كبير أن "الأميركيين لم يتحركوا لإضعاف النظام".

ودعا المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية نيكولاس بيرنز إلى "إبقاء القوات الأميركية في شمال" سوريا لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية وإقامة "تحالف دبلوماسي أميركي عرب أوروبي" يهدف إلى "موازنة النفوذ السلبي للثلاثي الروسي الإيراني السوري".

وقام وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون في يناير بعرض "الاستراتيجية" الأميركية رسميا وبشكل مفصل، وكانت تنص على الإبقاء على وجود للقوات الأميركية في سوريا للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، غير أنها كانت تنص أيضا على هدفين جانبيين هما المساهمة في التوصل إلى رحيل بشار الأسد والتصدي للنفوذ الإيراني.

وحذر تيلرسون من ان انسحابا أميركيا سيترك فراغا يصب لمصلحة الرئيس السوري كما يعزز النزعة التوسعية الإيرانية. وما زال المسؤولون في الإدارة الأميركية يستندون إلى خطاب تيلرسون، غير أن ترمب الذي أقال وزيره السابق لاحقا، أثار مفاجأة كبرى بالدعوة أخيرا إلى الخروج من سوريا في أسرع وقت، قبل أن يعدل في نهاية المطاف عن تحديد جدول زمني للانسحاب تحت ضغط مستشاريه وحلفائه.

وقال فيصل عيتاني إن "ترمب لم يردد بعد هذه الضربات الجديدة +نرحل فور انتهاء المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وهي ستنتهي قريبا+ (...) ما يعني أننا سنبقى قليلا بعد، لكنها ليست في الواقع استراتيجية لسوريا، بل مجرد شق في النزاع السوري".

في ما عدا ذلك، تكتفي الإدارة الأميركية بإبداء تصميمها على الدفع قدما بعملية السلام الجارية في جنيف برعاية الامم المتحدة، مع الإقرار بأنها "مجمدة تماما"، بحسب ما قال مسؤول أميركي كبير ألقى المسؤولية في ذلك على عاتق النظام السوري الذي "يرفض المشاركة في المحادثات" وعلى روسيا التي "لم تشأ ممارسة ضغوط كافية" على دمشق.

وأوضح خبير "المجلس الأطلسي" أن "القول بوضوح مثلما تفعل هذه الإدارة +هذه الحرب لا تهمنا حقا+ يعني أننا لا نملك سوى وسائل ضغط قليلة جدا". والنتيجة برأيه هي أن إخراج عملية جنيف من الطريق المسدود يبدو اليوم "مستبعدا أكثر من أي وقت سابق".