يقول التونسي معز شقشوق الذي انضمّ إلى فريق إدارة منظمة "اليونسكو"، في مقابلة مع "إيلاف" إنه يفتخر بكونه ابن الإدارة التونسية، وأن عمله في اليونسكو فرصة لتنمية تجربته على الصعيد الدولي، متعهدا بالعودة إلى خدمة بلاده يوما ما.

مجدي الورفلي من تونس: أعلنت المديرة العامة لمنظمة "اليونسكو"، أودري أزولاي، مؤخرا، عن تسمية أربعة أعضاء جدد ضمن فريق إدارة المنظمة، وتم تعيين التونسي معز شقشوق، في خطة نائب مدير عام مكلف بالإعلام والاتصال، ليكون أول عربي يشغل هذا المنصب.

مواقف جريئة

حين سقط نظام بن علي في 14 يناير 2011 كانت أجهزة وأدوات قمعه للحريات عرضة للإنتقادات والمطالب بالحلّ ولم يكن من السهل القبول بتعويض مسؤولي بن علي الذين غادروا تلك الأجهزة، ولكن قبل معزّ شقشوق التواجد في واجهة الوكالة التونسية للإنترنت التي كانت أحد اهم داوت نظام بن علي في الرقابة على المعارضين وقمع الحريات.

في تلك الفترة التي أعقبت هروب بن علي، وُضعت الوكالة التونسية للانترنت على لائحة الأجهزة التي طالب المجتمع المدني والسياسي الذي لحقهم أذاها بحلّها أو إغلاقها، ولكن معزّ شقشوق ذو 36 سنة حينها عارض المطلب بشدّة رغم ان لا وزن ولا سند سياسي له حتى يعارض من يحملون "الشرعية النضالية" ضدّ نظام بن علي، لاسيما وأنه القادم من وزارة الإتصالات التي شغل فيها خطة مستشار للوزير مكلّفا بالانترنت من سنة 2010 الى يوم توليه الوكالة التونسية.

ولم تكن ذلك أهم موقف عكس التيار السائد الذي إتخذه معزّ شقشوق الذي لم يكن معروفا في تونس حتى ذلك الحين، ففي 26 مايو 2011 أصدرت المحكمة قرارا بغلق كل المواقع الإباحية في تونس ليفاجئ شقشوق الكلّ في 1 يونيو بإعلان رفض القرار واستئنافه رغم المدّ الإسلامي والتشدّد الديني في البلاد خلال تلك الفترة.

بعد حوالي 7 سنوات من تلك الفترة لا تزال المواقع الإباحية متاحة في تونس والوكالة التونسية للانترنت (ATI) موجودة الى اليوم، في حين يستعدّ معزّ شقشوق لمغادرة البلاد نحو باريس للإنطلاق في عمله الجديد كمساعد للمديرة العامة للاتصال والمعلومات صلب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" بداية من يوم 1 ماي المقبل.

ليس أكثر من 4 سنوات!

لن يتجاوز بقاؤه في تلك الخطة الرفيعة لأكثر من 4 سنوات فشقشوق ومنذ إنطلاق مسيرته المهنية في 1998 لم يمكث في أي منصب لأكثر من تلك المدة.

يفسّر شقوق في حديث خصّ به "إيلاف" أسباب تنقله المستمر من المناصب الإدارية منذ سنة 1998 تاريخ اول عمل له في مركز الدراسات والبحوث للإتصالات، كان لديه فكرة مراكمة الخبرة المهنية من خلال قرار عدم المكوث في خطة لأكثر من 4 أو 5 سنوات ولا يزال الى اليوم يتبنى ذات الفكرة أو المبدأ.

يعود معزّ شقشوق عند حديثه مع "إيلاف" الى الفترة التي أعقبت سقوط نظام بن علي وتحمّله مسؤولية أحد أجهزة قمعه، ويقول: "في تلك الفترة لم اكن أحمل اي هاجس قبل تولي وكالة الانترنت فأنا لم اكن اعمل لحساب النظام، انا ابن الإدارة وكنت اعمل لحساب حكومة تدير شؤون البلاد من جهة تقنية بحتة لم اكن انظر للمسألة من جهة سياسية أبدا".

ومن تلك القناعة، كانت لمعز شقشوق الجرأة لمعارضة توجهات عامة في تونس بعد سقوط نظام بن علي، توجهات ادت مثلا الى حلّ حزب بن علي وبورقيبة، لكن بالإضافة الى ذلك يرجع شقشوق إستماتته في معارضته حلّ وكالة الأنترنت وحجب المواقع الإباحية الى ان الوكالة "فريدة حينها في العالم العربي" وأن لديه قناعة من امكانية الإستفادة منها في الجانب الإيجابي كما انه ضدّ الحجب وتقييد أي حريات مهما كانت.

مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)

بعد نجاحه في الإبقاء على الوكالة التونسية للأنترنت، وتغيير دورها من الرقابة إلى خدمة البلاد والعباد، عُيّن شقشوق كرئيس مدير عام على رأس أعرق المؤسسات العمومية في تونس في سنة 2015، وهو "البريد التونسي"، وهناك، تبيّن لكثيرين بالكاشف ان الرجل "إداري ناجح" ولكنه لم يمكث فيها الى حدود سنة 2019 كما خطّط يوم توليها او كما حدّد مدة بقائه في المناصب يوم تحصله على شهادة الهندسة في الاتصالات من المدرسة العليا للبريد والاتصالات بتونس في 1998.

يكشف معز شقشوق لـ"إيلاف" انه اراد البقاء على رأس البريد التونسي لمدة 4 سنوات ولكن منذ بداية 2018 إنطلق في البحث للمرور لمراكمة تجربة مهنية على المستوى الدولي بعد المحلّي، وصادفته خطة المدير العام المساعد العامة للاتصال والمعلومات لليونسكو فقدم ترشحه لتوليها وبقبوله لم يضع الفرصة وقدم إستقالته من خطة رئي مدير عام للبريد التونسي التي تعتبر خطة مرموقة.

فرصة لا تعوّض

يفسر ذلك التوجه بكونه حين حين علم بقبول ترشحه للخطة في اليونسكو من بين مئات الترشحات لم يفكر كثيرا ففرصة المرور الى مسيرة مهنية على مستوى دولي لا تتوفر كل يوم خاصة انها تعود به لإختصاصه الأصلي، كما انه اول عربي يتولي مثل ذلك المنصب الرفيع في اليونسكو، فقبل الخطة مما أثار حينها حديثا في تونس عن ضغوطات مورست عليه من الحكومة لقبولها، ولكنه أكد لـ"إيلاف" انه هو "من خير الإستقالة من البريد".

إبن الإدارة التونسية، يؤكد أنه سيعود لها يوما بعد مراكمة تجارب على الصعيد الدولي، وهو تمشٍ معروف يقال إنه يفضي ختاما إلى تهيئة رجال دولة ووزراء ناجحين ممن انطلقوا بالعمل في الإدارة وخبروا تفاصيلها الصغيرة.

لا خلفيّة سياسية

لا يبدو الرجل ذا خلفية سياسية، فعلى أقصى تقدير يمكن ان يكون ممتنّا للحركة الوطنية والزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة الذي بنى الإدارة، فرغم هناتها وبيروقراطيتها المفرطة الا ان ما يُحسب للإدارة في تونس هو تأمينها للخدمات ايام الاضطرابات التي شهدتها زمن ثورة يناير 2011، بحسب تعبيره.

كاتب عام النقابة العمالية بالبريد التونسي الحبيب ميزوري عايش وتفاوض مع عديد الرؤساء المديرين العامين لمؤسسة البريد وكان معزّ شقشوق آخرهم، واعتبر في حديث لـ"إيلاف" ان قراره بمغادرة المؤسسة خسارة، فالبريد لم يشهد نهضة على مستويات عدّة كالتي عرفها خلال تولي شقشوق لإدراته.

والسبب بسيط في تقدير النقابي الذي قال: "ليس لمعزّ شقشوق اي انتماء او خلفية سياسية كما انه لا يطبّق اجندة سياسية ولا يخضع لتعليمات اي حزب في وقت تسيطر فيه الاحزاب على كل مفاصل الدولة، لكن شقشوق إبن إدارة مستقلّ مما جعل تعاطيه مع الملفات من منطلق واقعي وعملي كما ان يتمتّع بروح مبادرة عالية".

كما ان نجاح الرّجل في الإدارة يعود لإيلائه الجانب الإجتماعي اهمية كبرى بإشراك كلّي للنقابات في الملفّات وإتخاذ القرارات مما وفّر مناخا إجتماعيا مكّن من مرور نسبة نموّ مؤسسة البريد التونسي من 3.5 بالمائة يوم تسلّم شقشوق مهامه على رأس إدارتها العامة الى 13.5 بالمائة قبيل مغادرته الى اليونسكو، في وقت تعرف أغلب المؤسسات والمنشآت العمومية في تونس إختلالا في توازاناتها المالية وتطرح الحكومة خيار بيعها.

يضيف كاتب عام نقابة البريد لـ"إيلاف": "عملنا وتفاوضنا مع معز شقشوق طيلة 3 سنوات وكان يلتزم بكل الإتفاقيات التي نتوصّل اليها خلال المفاوضات وحين كنا نضطرّ للدخول في إضراب لم يكن هو المتسبّب انما وزارة تكنولوجيات الإتصال التي تعود لها مؤسسة البريد بالنظر".

ولد معز شقشوق بمحافظة سوسة (140 كلم عن العاصمة تونس) في 12 يوليو سنة 1975، وهو متحصل على شهادة الهندسة في الاتصالات من المدرسة العليا للبريد والاتصالات بتونس، وعلى شهادة الدراسات المعمقة من المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس، وشهادة الدكتوراه في الرياضيات التطبيقية والاتصالات من جامعة باريس، وهو أصيل محافظة المهدية (205 كلم عن تونس العاصمة)، متزوج واب لبنتين.

تقلد عددا من المهام في الإدارة التونسية منها اهمها الهيئة الوطنية للاتصالات التي تأسست سنة 2005 كرئيس للقسم التقني، ورئاسة الوكالة التونسية للانترنت من 2011 الى 2015 ومن ثم عُين كرئيس مدير عام بالبريد التونسي من 2015 الى حدود إستقالته بعد قبول ترشحه في خطة مساعد المديرة العامة للاتصال والمعلومات صلب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو".