ثمة باحثان يسعيان إلى تبيان مدى تأثر شكسبير بغيره من الكتاب والمؤلفين، وإن كان هذا المدى وصل إلأى حدود أن يسرق منهم أدبيًا. لا شك في أن هذا ربما يعيد النظر في عبقرية هذا الشاعر المبدع.

أعلن الباحثان الأميركيان دنيس مكارثي وجون شلوتر اكتشافهما مصدرًا جديدًا مهمًا لمسرحيات شكسبير. وباستخدام برمجية مختصة بالسرقات الأدبية، يعمل الباحثان الآن على إعداد كتاب جديد يقولان فيه إن العمل المنسي "خطاب موجز عن التمرد والمتمردين" للكاتب المنسي أكثر جورج نورث، والذي كتبه في عام 1576، كان مصدر إلهام 11 مسرحية من أهم مسرحيات شكسبير. 

سرق؟

كان نورث سفيرًا لدى السويد في بلاط الملكة إليزابيث الأولى، وكتب عمله ليكون تحذيرًا من التمرد وعواقبه الوخيمة على المتمردين الذين يجرؤون على تحدي العاهل. 

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الكتاب يزعم أن شكسبير لا يستخدم المفردات نفسها التي يستخدمها نورث فحسب، بل كثيرًا ما يستخدمها في مشاهد عن موضوعات مماثلة، وحتى الشخصيات التاريخية نفسها. 

يسوق الكتاب أمثلة عدة على مواضع تلتقي فيها كلمات شكسبير وكلمات نورث. وعلى الرغم من استخدام برمجية السرقات الأدبية في هذا الاكتشاف، فإن مكارثي وشلوتر يريدان أن يجعلا واضحًا أنهما لا يتهمان شكسبير بالسرقة الأدبية، بل كل ما يقولانه هو إن كتابات نورث كانت مصدر إلهام للشاعر. 

الواقع أن شكسبير، بمعايير اليوم، كان يسرق باستمرار من الآخرين. واكتشاف تأثير نورث في أعماله فرصة للتذكير بطريقة عمل الشاعر والكاتب المسرحي الفذ، واختلاف طرائقه عن فكرة العبقرية الابداعية السائدة اليوم. 

وارث الأدب الغربي

يمكن القول إن شكسبير ليس مخترع الأدب الغربي الكبير، بل وارثه الكبير. كان يستعير حبكات وأفكارًا وشخصيات وفلسفات، وأحيانًا مقاطع من مصادر عديدة، بينها أعمال بلوتارخ وهولنشيد ومونتان، ومسرحيات معاصرين له. 

كان يعود المرة تلو الأخرى إلى روما القديمة، مستلهمًا أوفيد وسينيكا وبلاوتس. وحين انتقل شكسبير إلى لندن، وجد فيها العديد من الفرق المسرحية المحترفة، تقدم أعمالًا كوميدية ومأساوية وتاريخية يستلهم أجواءها.

هذا كله لا ينتقص من إنجازات شكسبير، على الرغم من الأدلة المتزايدة على أنه كان أحيانًا يستخدم المتعاونين من دون أن يذكر مساهمتهم. 

ما اكتفى شكسبير بإعادة انتاج مصادره بأمانة فحسب، بل ناقشها وحورها أيضًا، ووظفها بطرائق غير تقليدية، وأجرى تغييرات كبيرة عليها كما في مسرحية "الملك لير" التي صاحب نصها الأصلي مجهول الهوية. 

وعند النظر إلى نتاجه في سياقه التاريخي والفني، يزيد تقديرنا لعمله بدلًا من اتهامه بالسرقات الأدبية. 

مفهوم مختلف للأصالة

لم يكن شكسبير إلهًا ولا فريدًا من نوعه، وإن كان الأفضل بين مجايليه. كان فنانًا يستجيب لعصره، كما يفعل المبدعون، بالانفتاح على المؤثرات الأخرى والاشتغال بالمادة الموجودة حولهم. 

هناك جانب عملي أيضًا. فهو كان يعمل لفرقة مسرحية، وبالتالي كان عليه أن يكتب وفق المهارات الخاصة لممثليه وتحديداتهم الفنية. كان غزير الانتاج، الأمر الذي يتطلب إعادة تدوير أفكار وموضوعات وشيئًا من الدراما. وبوصفه مالك حصة في الفرقة المسرحية، كان عليه أن يتعامل مع أمور عملية مثل اتجاهات الزمن والرقابة والحاجة إلى ملء 3000 مقعد في كل مساء.

صورة رجل الأعمال الجشع الذي يكتب مسرحيات بلا انقطاع ويحاول الكسب بشتى الاساليب لا تنسجم مع أنموذجنا المعاصر للفنان، بوصفه عبقريًا معذبًا، ما يقدمه إلينا من إبداع هو نتاج أزمة داخلية وصراع مع الذات. 

لكن إنتاج عمل فني جزء من حوار لا ينتهي، يعود إلى آلاف السنين ويغطي العالم من حولنا. هذا ما كان شكسبير يفعله، وهو لم يفعله بمفرده. وإذا نجح في مسعاه فلعل في هذا سببًا للكف عن تشبثنا بأفكار عن الأصالة لا تمت بصلة إلى الطريقة التي يُنتج بها الفن في الواقع. 

 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن موقع "سلايت". الأصل منشور على الرابط:

https://slate.com/culture/2018/02/shakespeare-was-no-plagiarist-but-genius-isnt-born-in-a-vacuum.html