في قاعة تدريس في أحد مخيمات بيروت، تشرح منال قرطام لعدد من الطلاب أهداف حملتها بعد ترشحها عن المقعد الفلسطيني، غير الموجود في البرلمان، في خطوة رمزية هدفها حث القوى السياسية على لحظ حقوق اللاجئين في برامجها.

إيلاف: يستضيف لبنان وفق آخر إحصاء نشرته الحكومة اللبنانية في ديسمبر الماضي 174 ألف لاجئ فلسطيني، موزعين على 12 مخيمًا، بعدما كانت تقديرات متداولة تتحدث عن وجود نحو 500 ألف يعيشون ظروفًا صعبة.

طلبًا للعدالة الاجتماعية
تقول منال (40 عامًا) المولودة في مدينة طرابلس (شمال) لأب فلسطيني وأم لبنانية لوكالة فرانس برس، خلال زيارتها مخيم مار إلياس للاجئين الفلسطينيين في بيروت، "راودتني فكرة الترشح انطلاقًا من أننا في مرحلة انتخابات، ولكل المرشحين برامج سياسية تتحدث عن العدالة الاجتماعية والديمقراطية".

وتوضح الشابة الحائزة دراسات عليا في الحقوق والقانون الدولي، وتتكلم الفرنسية والانكليزية بطلاقة، "وجدت من الضروري القول إن العدالة الاجتماعية مهمة جدًا، لا للمواطنين فحسب، بل لكل المقيمين في لبنان"، وبينهم اللاجئون الفلسطينيين.

يجري لبنان في 6 مايو انتخابات برلمانية هي الأولى منذ نحو عقد من الزمن، وفق قانون انتخاب جديد يعتمد النظام النسبي، ما دفع المستقلين وناشطي المجتمع المدني إلى الترشح.

تعديل شعارات
على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، كما خلال لقاءاتها وجولاتها في المخيمات الفلسطينية، تشرح منال أهداف حملتها الرمزية تحت عنوان #موجودين، وتقدم نفسها بوصفها مرشحة عن "المقعد الفلسطيني". 

تعمل منال على نشر صور لها مرفقة بشعارات أطلقتها الأحزاب السياسية على حملاتها الانتخابية، لكنها تدخل تعديلات عليها. فيصبح شعار "نبض الشعب" لحزب الكتائب اللبنانية "نبض الشعب المعزول"، ويتحول شعار حزب القوات اللبنانية من "صار بدا ديمقراطية" إلى "صار بدها ديمقراطية مش ديموغرافية".

وتشرح منال التي تفيض حيوية وحماسة: "كان على أحد أن يقول +هناك أشخاص موجودون منذ سبعين عامًا في هذا البلد، لكنهم غير موجودين في سياسات الدولة+ (..) لخلق صدمة في صفوف الناس وسط هذا الكم الهائل من المرشحين".

لطالما شكّل الوجود الفلسطيني عاملًا حسّاسًا في لبنان وموضوعًا متفجرًّا بين الأطراف التي شاركت في الحرب اللبنانية بين العامين 1975 و1990. ولا يزال حاضرًا في الخطاب السياسي لبعض القوى اللبنانية التي تكرر رفضها المطلق لـ"توطين الفلسطينيين" أو أي إجراء يناقض حق العودة أو ينزع عن اللاجئين هويتهم.

حقوق اجتماعية لا سياسية
يعيش اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وضعًا صعبًا بسبب منعهم من العمل في قطاعات مهنية كثيرة ومن التملك. ويحظر القانون اللبناني على المرأة أن تمنح جنسيتها إلى أولادها، وأحد الأسباب الرئيسة لهذا المنع هو زواج العديد من اللبنانيات من فلسطينيين، وبالتالي الخشية من تغيير ديموغرافي.

وأعد وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في الشهر الماضي مشروع قانون يطالب بإعطاء المرأة اللبنانية حق منح الجنسية لأولادها إذا كانت متزوجة من غير لبناني، "باستثناء دول الجوار للبنان، وذلك لمنع التوطين"، في إشارة إلى السوريين والفلسطينيين بشكل رئيس.

تقول منال: "أطالب بحقوق مدنية واجتماعية واقتصادية للاجئين الفلسطينيين، ولا أطالب بحقوق سياسية"، موضحة أن ذلك يتضمن "حق العمل في كل المهن وحق الحماية الاجتماعية وحق التملك"، وهو الأمر الذي تعارضه القوى السياسية اللبنانية بمعظمها.

من خلال حملتها التي ستستمر بعد الانتخابات للضغط على المعنيين والمجتمع الدولي لإيلاء حقوق الفلسطينيين في لبنان الاهتمام اللازم، تطالب منال بجعل المخيمات "مفتوحة على محيطها وجزءًا من برامج وخطط البلديات".

تشرح "يجب ألا تكون المخيمات معزولة ومغلقة، ويجب أن تخضع لسلطة الدولة وسيادتها، وينبغي أن يكون الفلسطيني ضمن العملية التنموية والإنمائية اللبنانية". وتضيف "بهذا الشكل، يمكن أن نبني إنسانًا ومجتمعًا فلسطينيًا قادرًا على تحرير أرضه والعودة إليها".

أقيمت مخيمات اللاجئين في لبنان إثر نكبة الفلسطينيين العام 1948 مع قيام دولة إسرائيل. ولا تدخل القوى الأمنية اللبنانية المخيمات بموجب اتفاق غير معلن بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطات. وتمارس الفصائل نوعًا من الأمن الذاتي داخل المخيمات.

وتحول بعض تلك المخيمات ملجأ لجماعات متطرفة ومجموعات خارجة عن القانون، إضافة إلى فصائل عسكرية متعددة المرجعيات.

"تجاهل" قضايا حقوقية
وفي تقرير أصدرته الخميس، أعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية أن 27 مرشحًا ومرشحة من إجمالي 597 مرشحًا للانتخابات أعلنوا التزامهم بتعزيز حماية حقوق الإنسان في 10 مجالات، بينها حقوق اللاجئين. ينتمي معظم هؤلاء المرشحين وفق المنظمة إلى مجموعات مدنية تخوض الانتخابات للمرة الأولى.

وقالت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة لما فقيه: "من المخيّب للآمال ألا يقدم أي من الأحزاب اللبنانية المشاركة في الحكومة التزامات حقوقية قوية".

والتزم "حزب الكتائب"، غير الممثل في الحكومة، وحده بالإصلاحات، ما عدا تلك المتعلقة بحقوق اللاجئين، وفق المنظمة. وتعتبر المنظمة أن البرلمان الذي تشارف ولايته الثالثة على الانتهاء لم يحرز أي تقدم على صعيد قضايا حقوقية رئيسة عدة. 

تدرك منال أن مهمتها ليست سهلة، وتطمح إلى أن تضم ناشطين فلسطينيين ولبنانيين إلى حملتها هذه. وتقول "ردود الفعل إيجابية جدًا، بغضّ النظر إذا كانت تؤيد الحملة أم تعارضها، بمجرد أن تفاعل الناس معها، أعتبر ذلك إيجابيًا". وتضيف "إنها حملة توعية ومن الطبيعي أن تُطرح الكثير من التساؤلات".