إعداد/ إسماعيل دبارة: اختُتمت في جزيرة جربة التونسية مساء الخميس، الاحتفالات السنوية في كنيس "الغريبة" اليهودي الذي يعدّ أحد أقدم المعابد اليهودية في العالم، وسط إجراءات أمنية مشددة.

وشارك المئات في اليوم الثاني والختامي للزيارة السنوية لمعبد الغريبة اليهودي في جزيرة جربة التونسية (جنوب شرق) دون حوادث وبمواكبة حماية امنية مشددة. 

صلوات وغناء وشموع

على امتداد يومي الاربعاء والخميس ، أقام الزوار الصلوات وغنوا واشعلوا الشموع ووضعوا البيض الذي كتبوا عليه امانيهم داخل قبو في اقدم معبد في افريقيا بالجزيرة التي تعتبر وجهة سياحية بارزة.

وكشف مسؤول أمني لوكالة "فرانس برس" أن حوالي 3 الاف شخص شاركوا في اليوم الاول من هذه المناسبة الدينية السنويةاليهودية.

وبالتصفيق والرقص، اختتمت مراسم الزيارة واخرجت "المنارة"، وهي مصباح كبير مصنوع من الفضة ومثبت فوق عربة ذات عجلات، الى الباب الخارجي للكنيس تحت رقابة امنية مشددة.

ولدواع امنية لم تعد "الخرجة" تجوب كما في السابق كل المعابد الاخرى في الجزيرة والاحياء التي يسكنها اليهود بل اقتصرت على محيط كنيس الغريبة.

يقع كنيس الغريبة في قرية صغيرة بجزيرة جربة، سكنها اليهود في الماضي، وتسمى "الحارة الصغيرة" حاليا، وتبعد عدة كيلومترات جنوب غرب حومة السوق المدينة الأكبر بالجزيرة.

كتابة الأمنيات على البيض من طقوس اليهود خلال زيارة معبد الغريبة السنوية

وبلغت الاحتفالات في كنيس الغريبة ذروتها في يومها الثاني مع إحياء الزائرين لطقوسهم السنوية. وداخل الغريبة غنى اليهود ورقصوا في حين كتب آخرون أمانيهم بالزواج والإنجاب والسلام على بيض ووضعوه في قبو.

وأضاء آخرون الشموع داخل المعبد وأقاموا الصلوات ورددوا الأدعية، كما تنظم أيضا مزادات علنية بساحة الكنيس يذهب ريعها إلى يهود جربة.

نجاح أمني

قال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية خليفة الشيباني، في تصريحات لوسائل اعلام محلية، إن وزارته "اتخذت كافة التدابير لحماية هذه الاحتفالات"، باعتبار أن نجاحها يعتبر أحد مؤشرات نجاح الموسم السياحي في تونس.

الزيارة السنوية لليهود تمت تحت اجراءات أمنية مشددة واستثنائية 

يقول مراقبون إنّ نجاح موسم حج الغريبة من شأنه أن ينعش السياحة التي تراجعت جراء عمليات إرهابية تعرضت لها البلاد منذ اندلاع ثورة يناير عام 2011 وتزامنت مع بداية بروز ظاهرة التطرف في البلاد. وتمثل هذه الاحتفالات مقدمة للموسم السياحي الصيفي الذي يبدأ بعد أسابيع قليلة في الجزيرة وفي تونس عموما.

400 إسرائيلي

شارك هذه السنة نحو 400 اسرائيلي في الحج السنوي، وفقا لمساعد منسق مراسم الحج، رينيه طرابلسي.

وينظم اليهود التونسيون مراسم الحج للغريبة سنويا، ويبلغ عددهم حاليا اكثر من 1200 شخص واغلبهم يسكن جزيرة جربة وتونس العاصمة وكان عددهم يناهز مئة الف قبل استقلال تونس سنة 1956.

وعادة، ما يندلع جدل "التطبيع" مع اسرائيل خلال الحج السنوي لليهود إلى الغريبة، لكن حدة السجال هذا العام، بدت أقلّ بروزا، نظرا لتزامن الحجّ مع انتخابات بلدية تجرى في تونس يوم 6 مايو، وانشغال السياسيين بحملاتهم الدعائية، حسب متابعين.

يتزامن موسم الحجّ إلى الغريبة هذه السنة كذلك، مع عقد ندوة دولية بجزيرة جربة حول حوار الأديان والحضارات من أجل مقاومة التطرّف والإرهاب. 

وأكّد يوسف الشاهد أنّ في اختيار جربة لتنظيم هذه الندوة تأكيدا لمكانتها كمثال للتسامح والتعايش بين مختلف الحضارات والأديان.

هجمات دامية

أثرت الهجمات الارهابية التي هزت تونس على الاقبال على هذه الزيارة في السنوات القليلة الماضية.

وتمت مهاجمة كنيس الغريبة في مناسبتين، الاولى كانت في 1985 حين قتل شرطي العديد من الاشخاص، اما الثانية فكانت فيابريل 2002 حيث قتل 21 شخصا اغلبهم من الالمان في هجوم تبناه لاحقا تنظيم القاعدة.

وكان يشارك سنويا قرابة 8الاف في حج الغريبة الى حدود 2002.

ولا تزال حالة الطوارئ سارية في تونس منذ ان أعلنت في 2015 بعد سلسلة من الاعتداءات استهدفت سياحا وامنيين، غير ان الوضع الامني تحسن خلال السنتين الاخيرتين.

الشاهد: التسامح الديني لهزيمة التطرّف

من جانبه، قال رئيس الحكومة يوسف الشاهد ان كسب الحرب على الارهاب لا يتحقق بمعزل عن وجود حوار بين الأديان والحضارات مضيفا ان "محاربة الاٍرهاب يحتاج الى توحد كل النوايا الصادقة من مختلف الامم ومختلف الأديان والحضارات للحوار ولتقريب وجهات النظر والبحث معا عما يجمعنا والوقوف امام أصوات التطرّف التي تنظر للصراع والصدام بين الحضارات وبين الأديان".

وأكد لدى إفتتاحه صباح اليوم الخميس بجزيرة جربة اشغال الندوة الدولية حول الأديان والحضارات من اجل مجابهة التطرّف والارهاب أن تونس "تعد تجربة فريدة تحتاج الى دعم كل اصدقائها وشركائها لاعتبارها مثالا حيا على انتصار صوت العقل وصوت الحكمة مشددا على انها تجربة تثبت يوما بعد يوم ان قيم الانسانية تبني السلام في العالم".

وبين رئيس الحكومة ان "الحرب على الاٍرهاب حرب فكرية بالأساس لا يمكن كسبها بالحلول الامنية والعسكرية فقط بل بالمقارنات الفكرية والدينية"، معتبرا ان ترشيد الخطاب الديني هو صِمَام الأمان لدحر شبح التطرّف الديني والتوقي منه بنشر الفكر المستنير القائم على القيم الاخلاقية السمحة التي جاءت بها كل الأديان السماوية ونادى بها جميع الأنبياء والرسل.