إيلاف من لندن: قصة عمالة الأطفال في الأردن، كما في أي بلد عربي، قصة مبكية. لكن المبكي أكثر أن يكون الطفل العامل هناك من أطفال اللاجئين السوريين، فمعاناته مضاعفة، وآلامه لا تقاس بأي ألم. فإلى اضطراره للعمل صغيرًا ليسد رمقه، أو ليشارك في إيراد "خيمته"، يواجه الرفض من أطفال الأردن الآخرين الذين لا يريدنه بينهم، ولا يقبلونه طفلًا يعيش طفولتهم نفسها، ولا يمنحونه فرصة مشاركتهم ولو لحظات فرح في تقاذف كرة القدم ا لتي يهوى لعبها.

لا مفر من اليأس

في فيلم "ليش؟"، يروي أيوب القاسم وأحمد الذيابات ومروان البياري قصة "أيمن"، السوري الذي وجد نفسه في بلد غير بلده، وسط ناس ليسوا ناسه، يعيش قهرًا ليس قهره وحده. ينزل من السابعة صباحًا، يسعى وراء رزق ضئيل، يحصله من "عربة" يساعد بها نساء الحارات ورجالها في نقل مشترياتهم اليومية إلى بيوتهم.

"أيمن" هذا، كما يروي في الفيلم، يريد أن يتعلم، ويقصد المدارس، لكنها تنبذه، بحجة أن لا أهل متعلمين يحرصون على تعليمه. إنها ظروف اللجوء القاسية التي لا تترك له مفرًا.. من اليأس.

قال البياري لـ "إيلاف": تناول "ليش؟" عددًا من القضايا الإجتماعية، لكن همنا الرئيس كان تسليط الضوء على مشكلة التعليم، فنحن نريد نشر الوعي بأهمية العناية بالنظام التعليمي، وبأنه يوجد أشخاص مبدعون، لكن الظروف الصعبة تمنعهم من إظهار إبداعهم".

 

 

لكن، هل الحق بالتعليم أساسي اليوم؟. يقول البياري: "بطل الفيلم كان يعمل في سوق شعبي ليحصل لقمة العيش لنفسه ولأهله، فلا شك في أن حق المأوى والطعام أولوية للاجئين، لكن التعليم هو الطريق الوحيد لتحسين المستوى المعيشي وتغيير الواقع للأفضل".

نحو الحل

في وقت قصير، يجمع القاسم والذيابات والبياري وجع أمة عربية واحدة، من المحيط إلى الخليج. فـ"أيمن" ليس فردًا واحدًا، إنما أيقونة عربٍ ربما لا يحتاجون إلى أن يعيشوا تجربة الترحيل أو التهجير أو اللجوء، ليلقوا المصير نفسه. فكم من طفل عربي في وطنه يعمل مقابل القوت، ولا من يرعاه، ولا من يخطط لرعايته. أليس هذا ما حرك في الأصل ما سمي بعدها "الربيع العربي"؟ أليس القهر ما دفع بتونسي إلى إحراق نفسه وتفجير ثورة الياسمين، التي كرت بعدها الثورات العربية كأحجار الدومينو؟

بحسب البياري، عمالة الأطفال من المواضيع المهمشة عالميًا، "وينبغي علينا كصناع محتوى تسليط الضوء على هذه المشكلة بوصفها خطوة أولى نحو الحل، ولا يمكن تجاهل هذه القضية لأنها تأثر في المجتمع".

ما كان سهلًا

في "ليش؟" كل هذا، على شكل صورة ناطقة لصبي قلما يتكلم، إنما يعمل بجد ونشاط.

"ليش" فيلم قصير، لا تتعدى مدته الدقائق الستة، إلا أنه عامر بكل أنواع القهر والمعاناة. فاز بجائزة أفضل ريبورتاج في مهرجان بي بي سي للوثائقيات والأفلام القصيرة 2018.

يقول البياري لـ "إيلاف": "لم يكن سهلًا توثيق حياة طفل لاجئ في ظروف صعبة، خصوصًا في المنطقة التي تم التصوير فيها، فهي لا تتقبل وجود الكاميرات بشكل طبيعي، لكن بالتعاون من السكان كان بإستطاعتنا العيش مع الطفل وتوثيق لحظات حياته".

وختم قائلًا: "أهم أثر نريد تركه عند متابعي الفيلم أنه يوجد جيل جديد يملك الكثير من المواهب والقدرات لجعل هذا العالم مكانًا أفضل للعيش، لكن الظروق الصعبة تمنعهم، وواجبنا توفير ظروف أفضل لهم".