رأى الكاتب سكوت كوبر أن مهمة إيران تُشبه مهمة الاتحاد السوفييتي السابق، فقد دلفت الجمهرية الإسلامية إلى فترة الغسق، ويجب التفكير بما بعد ذلك. مؤكدًا أن الإيرانيين لو خيرّوا بين النظامين الحالي والسابق لاختاروا الشاه!.

إيلاف: اعتبر الكاتب أندرو كوبر أن عوامل عديدة أشعلت فتيل الاضطرابات الإيرانية، وأن ما أثاره على وجه الخصوص هو رؤية إيرانيين من الطبقة العاملة والطبقة الوسطى الدنيا في البلدات الصغيرة والمدن متوسطة الحجم وهم يطالبون بإطاحة الجمهورية الإسلامية ويهتفون للمَلَكِيَة ولأسرة بهلوي المنفية. بالنسبة إلى العديد من المتظاهرين، الحالة البائسة للاقتصاد الإيراني والفساد هي التي وفّرت الظروف المناسبة كليًا لتفجير مشاعر القومية الفارسية المكظومة.

الفساد والاقتصاد كمحركين
يضيف شارحًا: "في أعقاب حملة القمع العام 2009، أُصيب العديد من الشبان الإيرانيين بخيبة أمل من الإسلام السياسي، ووجدوا عزاءهم في الفن والثقافة الفارسيين ماقبل الإسلام. وأنا أدركت هذه الظاهرة في العام 2013 حين أمضيت بعض الوقت في قم في إجازة أكاديمية". وقد دلّ حجم المظاهرات على أن الطبقات الاجتماعية نفسها التي كانت تُعتبر من أشرس الداعمين للنظام استسلمت لهذا الإعجاب.

يشار إلى أن أندرو سكوت كوبر هو مؤلّف كتابين مرموقين: The Oil Kings: How the U.S., Iran, and Saudi Arabia Changed the Balance of Power in the Middle East (سايمون أند شوستر، 2011)، وThe Fall of Heaven: The Pahlavis and the Last Days of Imperial Iran (هنري هولت آند كو، 2016). 

درّس كوبر في السابق في جامعة كولومبيا وعمل في هيئة الأمم المتحدة ومنظمة هيومن رايتس ووتش. التقته ديوان المؤلف في أوائل يناير الماضي، وناقشت معه أبعاد التظاهرات الأخيرة في إيران، إضافة إلى إرث الملَكِية الإيرانية.

الحد من طموحات إقليمية
كوبرأكد في المقابلة أن لا خيار أمام الرجال الذين يديرون إيران سوى إعادة تقييم طموحاتهم الإقليمية. قائلًا "سيتعيّن عليهم العثور على وسائل لتعزيز الإنفاق الاجتماعي، وإحدى الطرق ليفعلوا ذلك هي إعادة توجيه الموارد بعيدًا عن وكلائهم الإقليميين الذين استهدفهم شطر كبير من الحنق المحلي، ودفعها (الموارد) نحو الاقتصاد المحلي. سيكون عليهم التركيز على خلق فرص العمل، والمزايا الاجتماعية، والإسكان. وعلى المدى القصير على الأقل، قد يبدون رغبة في إبرام صفقات لإنهاء نزاعات تستنزف الكثير من الثروة الوطنية. يمكن للملالي أن يكونوا مرنين حين يريدون ذلك، إذ من في وسعه أن ينسى قرار الخميني بـ"تجرّع السم" وإنهاء الحرب مع العراق؟ لكن، لماذا يجب على السعوديين القدوم إلى طاولة المفاوضات فيما هم يشتمّون رائحة الضعف في إيران؟. ثم إن التذبذب غير المتوقع في أسواق الغاز والنفط، بما يحمله من مضاعفات سلبية على الخزانة الإيرانية، سيلعب دورا مهمًا في ما سيحدث لاحقًا.

مقارنة مع النظام السابق
وأشار إلى أن إيران، كما كانت دومًا، هي من يقود إلى التغيير، وأينما تذهب إيران، تذهب المنطقة. ويضرب مثالًا "دشّنت ثورة 1979 حقبة من الصراعات الطائفية الحادة والاضطرابات في المنطقة. لكن يبدو أن غالبية الشعب الإيراني تعبت من الإسلام السياسي على النمط الخميني الذي لم يجسد قدرات إيران على رغم كل وعوده". 

وقال كوبر إن "الملالي اكتشفوا القومية في وقت متأخر. الخميني بالطبع أعرض عن القومية، إلى أن شعر بالحاجة إلى تعبئة الإيرانيين خلال الحرب مع العراق. وفي السنوات الأخيرة، رأينا النظام يحاول (ويفشل) في استلحاق التقاليد الفارسية. فقد أسفرت جهود الإعلام لتشويه صورة أسرة البهلوي عن نتائج عكسية لأنها سمحت بالحديث عن هذه الأسرة علنًا. وفي أعقاب المهرجان الكبير في ضريح قورش الكبير في باسارغادي في أكتوبر 2016، والذي فاجأ السلطات، جرت محاولة غبية للإثبات أن النبي محمد له علاقة بقورش. وهذا يوحي بأن القيادة مشوّشة نوعًا ما وغير واثقة من كيفية الرد".

يتابع "مثل هذا المنحى شكّل منعطفًا عن حقبة السبعينيات، حين رفض الشبان الإيرانيون أسلوب الشاه محمد رضا بهلوي وتبنّوا كل مجالات الاسلام الشيعي. واليوم، أطفال وأحفاد هؤلاء الثوريين يوظفون التقنيات القديمة التي استُعملت لتقويض الشاه، لكن هذه المرة ضد الملالي. فالملابس التي يرتدون، والموسيقى التي يسمعون، والكتب التي يقرأون، والأماكن التي يزورون في الإجازات، تعكس حبّهم للثقافة الفارسية ورفضهم الضمني للإسلام السياسي. وبهذا المعنى، هم يعرفون تاريخهم بشكل جيد للغاية في الواقع".

أما بالنسبة إلى التشابه بين الجمهورية الإسلامية وبين نظام البهلوي، فيعتبر أنها تبدو واضحة في الرغبة في استعراض النفوذ الإيراني في طول المنطقة وعرضها. بيد أن الشاه كان مقيّداً بظروف الحرب الباردة وبالنظام الدولي الليبرالي الذي تعهّد الدفاع عنه، هذا في حين أن الجمهورية الاسلامية تسعى إلى استغلال فراغ القوة في المنطقة مع إنسحاب الولايات المتحدة من العراق. الشاه كان سيشعر بالهلع لو رأى اليوم كيف تتصرّف إيران. وقد أبلغني أحد أفراد أسرة البهلوي أنه سعيد لأن الشاه مات في بدء الحرب العراقية- الإيرانية، لأن هذا الحدث كانت دمّره تماما".

تهليل لعودة الملكية
يعتقد كوبر أنه إذا طُلِبّ من الإيرانيين الاختيار بين نظام الشاه ونظام مابعد 1979 فقد يختارون الشاه بنسبة كاسحة. لكن "ليس هذا ما تسمعه من بعض المثقفين المنفيين الإيرانيين الذين لايستطيعون أن يوقنوا تمامًا بأن الكثير من الطلاب ومن الطبقة العاملة الإيرانية قد يفضلون النظام الملكي على الجمهورية الإسلامية. إنهم لازالوا يكنون مُقتاً عميقاً لأسرة بهلوي".

ويرى أن نقطة التحوّل الرئيسة في تطور الاضطرابات تمثّلت في الاقبال الكبير للناس على باسارغادي في أكتوبر 2106. فمثل هذا التمرين على التعبئة الجماهيرية لاقى تجاهلاً من الإعلام الغربي ومن المحللين الإيرانيين المقيمين في الغرب. لقد قُدِّر عدد الجمهور بنحو 100 ألف، وصوّروا وهم يهللون ويدعون إلى عودة عائلة بهلوي وإعادة النظام الملكي. 

وأنا عرضت على دورية "فورين بوليسي" أن أكتب مقالة أشرح فيها مدى أهمية هذا الحدث، ولماذا تواجه الجمهورية الاسلامية أزمة شرعية، وكيف أنه سيثير على الأرجح اضطرابات مستقبلية. بيد أن عرضي رُفض لأنه، كما قيل لي، يفتقد إلى رابط إخباري مناسب.

الشاه كما يراه
قال كوبر "يجب أن نضع الشاه في سياق الزمن الذي عاش فيه، كقائد علق بين تياري الحرب الباردة والانبعاث الاسلامي. كان مدفوعاً بأحلام طوباوية حول تحقيق العدالة الاجتماعية لشعبه، وسنّ إصلاحات تقدمية في مجالات كالسياسة الاجتماعية، وحماية البيئة، وحقوق المرأة، وحماية الأقليات، والقراءة والكتابة. قدرته على إنكار الذات تمثّلت في كيفية تعاطيه مع قوات الأمن، إذ هو تخلى عن العرش بدلاً من السماح بحملة عسكرية كانت ستزهق آلاف الأرواح وربما تثير حرباً أهلية".

بعد العام 1963، حين تسنّم السلطات التنفيذية، أضاع فرصة لبناء مؤسسات قضائية وسياسية مستقلة وقابلة للاستمرار ربما كانت تحمّلت العبء حين أنطلق الخميني في مساعيه الى الوصول إلى السلطة. لكن على رغم كل أوجه قصوره، يُظهر السجل أن إيران في عهده كانت مستقرة، ومزدهرة، وفي حالة سلام مع جيرانها. في بيروت والقاهرة سمعت عرباً يشيدون بذكرى الشاه ويقولون أنهم يتمنّون لو لم يرحل. وأنت تسمع الكلمات نفسها الآن في طهران".

العلاقات السعودية - الإيرانية
ولفت كوبر إلى أن القيادتين السعوديثة والإيرانية تواجهان تحديات داخلية خطيرة قد تؤدي، في حال عدم معالجتها، إلى تمرد أو انفجار داخلي. فمن جهة، هناك الحروب بالوساطة التي يشنانها والتي تحرف الانتباه عن المسائل الرئيسة. بيد أن الإصلاحات المحلية من ذلك الطراز الذي يتصورونه، أو الذي سيكونون مضطرين لتطبيقه، سيكون صعباً ومؤلما. هذان النظامان يفتقدان إلى "صنابير السلامة" الديمقراطية الضرورية لمنع الاحتجاجات الشعبية من التدفق إلى الشوارع".

يونغ: اتخذت إدارة ترامب موقفاً متصلّباً من الدور الإقليمي للنظام الإيراني، لكنها لم تفعل شيء عملياً لمجابهته. لماذا، وإلى أين تتجه برأيك العلاقات الأميركية- الإيرانية في المقبل من السنوات؟

وعبر عن تفاؤله بأن "الولايات المتحدة وإيران ستكونان أصدقاء مجددا. إذ لدى الأميركيين والإيرانيين الكثير من الأمور المشتركة، على رغم أن الشعب الإيراني أكثر اندفاعاً في هذا الاتجاه من الأميركيين الذين لازالوا يعيشون في فقاعة 1979. الأنظمة لاتدوم إلى الأبد، والتغيير يحدث حيث لاتتوقعه".

هيمنة شرق أوسطية
واعتبر كوبر أن الثقة المُفرطة بالسياسة الخارجية التي يليها تمدد زائد، هو تقليد إيراني. "وقد عاينا رد الفعل نفسه خلال عهد الرئيس محمود نجاد. إن ردود فعلنا العصبية كلما عطست طهران يشي بمدى فقداننا نحن لمشاعر الأمن، بقدر ماهي تتعلق بالنوايا الإيرانية. عن أي نظام نتحدث هنا، على أي حال؟ عن نظام يبدو غير شعبي للغاية إلى درجة أن شعبه يفضّل إعادة عقارب الساعة 40 سنة إلى الوراء؟ على رغم أنه لا يجب الاستهانة بإيران، إلا أنها تُشبه من نواحٍ عديدة مهمة الاتحاد السوفييتي السابق. لقد دلفت الجمهورية الإسلامية إلى فترة الغسق، وأعتقد أنه يجب أن نبدأ بالتفكير بما سيأتي بعد ذلك".