بيروت: ينتخب اللبنانيون منذ صباح الأحد، وسط إقبال ضعيف، مجلساً نيابياً جديداً، هو الأول منذ نحو عقد، في عملية من شأنها حماية التوافق الهش بين القوى التقليدية، وتمنح في الوقت ذاته مرشحي المجتمع المدني أملاً بالوصول الى البرلمان.

ووسط الإقبال الضعيف، حثت الكتل السياسية الرئيسية بعد الظهر مناصريها على التوجه الى مراكز الاقتراع. 

ويتوقع محللون أن يكون حزب الله "المستفيد الأكبر" من نتائج الانتخابات التي تجري وفق قانون جديد يقوم على النظام النسبي، ما دفع غالبية القوى السياسية الى نسج تحالفات خاصة بكل دائرة انتخابية بهدف تحقيق مكاسب أكبر. 

ومنذ فتح صناديق الاقتراع عند السابعة صباحاً (04,00 ت غ) وحتى الساعة الثانية ظهراً، بلغت نسبة الاقتراع في كافة المناطق 24,4 في المئة، وفق ما أعلنت وزارة الداخلية، التي لم تصدر نسبة جديدة حتى قبل ساعة من اقفال صناديق الاقتراع. 

ودعا الرئيس ميشال عون في كلمة مقتضبة اللبنانيين عبر شاشات التلفزيون الى الاقبال على الانتخابات. وقال "اذا كنتم موجودين، أكيد يُمدد الوقت لتكونوا قادرين جميعكم على التصويت".

كما كتب على حسابه على تويتر "بعد متابعتي العملية الانتخابية منذ الصباح، فوجئت بضعف الاقبال على الاقتراع (...) اذا كنتم ترغبون بالتغيير وبإرساء نهج جديد فيجب ان تمارسوا حقكم، لا يجوز ان تضيعوا الفرصة".

وبعد اقتراعه في منطقة زقاق البلاط في بيروت، قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم: "نقترح أن يتم تمديد التصويت لمدة ساعتين".

ودعا الزعيم الدرزي وليد جنبلاط إلى "رفع نسبة التصويت الى الاقصى والانقضاض والتجمع في مراكز الاقتراع".

واعتبر استاذ العلوم السياسية في الجامعة اليسوعية كريم مفتي أن "نسبة المشاركة المنخفضة حتى منتصف النهار ليست سوى مؤشر الى إحباط اللبنانيين".

ولا يمكن توقع نسبة الاقتراع التي بلغت في آخر انتخابات نحو 54 في المئة.

وتعبر فئات واسعة من اللبنانيين عن خيبة أمل من تكرر الوجوه ذاتها وخوض القوى التقليدية نفسها المعركة، علما انها لم تنجح على مدى عقود في تقديم حلول للانقسامات السياسية والمشاكل الاقتصادية والمعيشية التي يعانيها لبنان.

وأعطى قانون الانتخاب الجديد فرصة للناشطين في المجتمع المدني أو الاحزاب الصغيرة للترشح، ما أثار حماسة عدد كبير من الناخبين، وإن كان خبراء ومحللون يتوقعون ألا يتخطى عدد المقاعد التي سيحصدها هؤلاء أصابع اليد.

إشكالات

وتجري الانتخابات للمرة الاولى منذ العام 2009، بعدما مدد البرلمان الحالي ولايته ثلاث مرات متتالية بحجة الانقسامات السياسية في البلاد والخشية من مخاطر أمنية على خلفية النزاع في سوريا المجاورة.

وقال غي فرح (36 عاماً) الذي اقترع في منطقة رأس النبع في بيروت لفرانس برس "يعني لي كثيراً انني أنتخب وأشارك في التغيير.. لأننا منذ تسع سنوات لم ننتخب"، معتبراً أن "الانتخابات وفق النظام النسبي هي أول خطوة" على طريق التغيير.

ومنذ ساعات الصباح الأولى، شهدت مراكز الاقتراع زحمة مندوبين يمثلون المرشحين والأحزاب التقليدية، وأحاطت بها اجراءات أمنية مشددة. ويمكن للناخبين البالغ عددهم وفق لوائح الشطب أكثر من 3,7 ملايين شخص، الاقتراع في 1880 مركزاً موزعين على 15 دائرة انتخابية. 

ويتنافس 597 مرشحاً بينهم 86 امرأة، منضوون في 77 لائحة، للوصول الى البرلمان الموزع مناصفة بين المسيحيين والمسلمين في البلد الصغير ذي التركيبة الطائفية الهشة والموارد المحدودة.

وقالت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات ايلينا فالانسيانو لصحافيين ظهر الأحد "نجري تقييماً إيجابياً، أو إيجابياً للغاية في 98 في المئة من مراكز الاقتراع المراقبة. يسير اليوم بشكل هادئ باستثناء بعض الحوادث".

وأعلنت الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات، منظمة غير حكومية مشرفة على عملية الاقتراع، عن انتهاكات عدة وإشكالات، بينها تضارب بالعصي والسكاكين في زحلة (شرق) وشكوى من إحدى مرشحات المجتمع المدني في الجنوب حول تعرضها للاعتداء من قبل مندوبي حزب الله وحركة أمل الشيعيين. 

وبثت تلفزيون محلي شريط فيديو يظهر اقدام شاب على كسر صندوق الاقتراع البلاستيكي وبعثرة محتوياته اثر اشكال في قلم الاقتراع. 

المستفيد الأكبر

وتجري الانتخابات في ظل توافق سياسي بدأت مفاعيله في اكتوبر 2016 مع الاتيان بميشال عون، حليف حزب الله، رئيسًا للجمهورية بعد حوالى سنتين من الفراغ في سدة الرئاسة، ثم بالحريري رئيسًا للحكومة. 

وتظهر اللوائح التي تخوض الانتخابات زوال التحالفات التقليدية التي طبعت الساحة السياسية منذ العام 2005، لجهة الانقسام بين فريقي 8 آذار الذي يعد حزب الله المدعوم من ايران أبرز أركانه، و14 آذار بقيادة رئيس تيار المستقبل ورئيس الحكومة الحالية سعد الحريري. 

ونُسجت تحالفات خاصة بكل دائرة انتخابية حتى بين الخصوم بهدف تحقيق مكاسب أكبر. وفي معظم الأحيان، لا تجمع بين أعضاء اللائحة الواحدة برامج مشتركة أو رؤية سياسية واحدة، إنما مصالح آنية انتخابية.

والثابتة الوحيدة في التحالفات الانتخابية هي اللوائح المشتركة بين حزب الله وحركة امل، بما يكرس الى حد بعيد احتكارهما للتمثيل الشيعي.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت عماد سلامة لفرانس برس: "التحالفات البرلمانية بعد الانتخابات ستشبه التحالفات الانتخابية الحاصلة اليوم".

ويضيف "المنفعية ستشكل التحالفات المختلفة بدلاً عن فريقي 8 و14 آذار. لن تكون هناك تكتلات واضحة المعالم أو تحالفات طويلة أو ثابتة، بل +بلوكات متحركة+ يتم اعتمادها بحسب كل موضوع".

وبغض النظر عن نتائج الانتخابات لناحية توزيع المقاعد على الكتل والأحزاب وطبيعة التحالفات لاحقاً، يقول محللون إن حزب الله سيكون "المستفيد" الأكبر.

ويوضح سلامة "لن يكون البرلمان الجديد مصدر إزعاج لحزب الله (..) الذي سيستفيد من شرعنة دولية من دون تقييد حركته العسكرية والسياسية في المنطقة".

ولطالما شكل سلاح حزب الله المدعوم من ايران، والذي يقاتل الى جانب قوات النظام في سوريا، مادة خلافية بين الفرقاء اللبنانيين. لكن الجدل حول سلاحه تراجع الى حد كبير قبل الانتخابات بفعل "التوافق السياسي" القائم حاليًا.