مروان شلالا من بيروت: دقت السابعة مساءً وأقفلت صناديق الاقتراع في المراكز الانتخابية في لبنان، وانتهت انتخابات برلمانية انتظرها اللبنانيون تسعة أعوام، جدد فيها النواب لأنفسهم ثلاث مرات. على الرغم من تأكيد وزير الداخلية نهاد المشنوق أن الأجواء هادئة، سجل عدد كبير من الإشكالات الأمنية، خصوصًا بين مناصري تيار المستقبل الذي يتزعمه رئيس الحكومة سعد الحريري، ومناصري حزب الله. كما تميزت هذه الانتخابات الأولى بعد تسعة أعوام بخيبة أمل العديد من الزعماء من قلة إقبال مناصريهم على الاقتراع.

شحذ الهمم

بعد جولة قاسية من شد العصب الانتخابي، بالتخويف المذهبي والطائفي والمناطقي على مختلف أنواعها، ظن الجميع أن الاقبال على مراكز الاقتراع سيكون كبيرًا. إلا أن التقارير تؤكد أن نسبة الاقتراع لم تلامس 50 في المئة. ليس أدل على ذلك من تشديد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب ​وليد جنبلاط​، في تعليق على مواقع التواصل الإجتماعي، على أنّ "في الربع الساعة الأخير، المطلوب رفع نسبة التصويت إلى الحد الأقصى، والإنقضاض والتجمّع في مراكز الإقتراع كرفوف الجحال الشامخة الأبية الجميلة من جبالنا، للحفاظ على هويّتنا ووجودنا وكرامتنا".

ولا أدل على ذلك من حركة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل التي لا تتعب من أجل شحذ همم مناصريه، ودعوته الناخبين الى ممارسة حقهم بالإقراع، قائلًا: "إننا قاتلنا كل العالم لنحقق هذا القانون الإنتخابي، وحققنا ​النسبية، ومن لم يصوت كأنه يخون بلده، ومن يريدون بناء دولة عليهم أن يدلوا بأصواتهم، وثمن الثورة مشوار إلى الصندوق الإنتخابي".

كذلك غرّد أحمد الحريري، أمين عام تيار المستقبل، على "تويتر" وقال: "تصويتكم سياج يحمي كل لبنان وشعبه الذي ضحى بسببهم سعد الحريري بكل ما يملك. ما حدا يقلل من أهميه صوته ولا يستكتر النزلة عصندوق الاقتراع".

أرقام منتصف النهار

في الثانية والنص، أعلنت الداخلية اللبنانية تحسنًا في نسب الاقتراع في المناطق، فكانت في كسروان 30.76%، وفي جبيل 19.10%، وفي دائرة جبل لبنان الثانية 20%، وفي دائرة جبل لبنان الثالثة 21.95%، وفي عالية 30.84%، وفي الشوف 24.48%، وفي الشمال الأولى 17.74%، والضنية 14.46%، والمنية 21.03%، وطرابلس 23.30%، والبترون 16.41%، والكورة 17.44%، وبشري 24.76%، وزغرتا 21.05%، وفي بيروت الأولى 19.04%، وفي بيروت الثانية 15.57%، وفي البقاع الأولى 23.32%، والبقاع الثانية 21.53%، والبقاع الثالثة 23.56%، وفي جزين 15.93%، وصيدا 41.51%، وقرى صيدا 16.91%، وصور 20.95%، والنبطية 22.81%، ومرجعيون وحاصبيا 18.65%، وبنت جبيل 20.99%.

وكان جهاز الإنتخابات في حزب القوات اللبنانية الذي يتزعمه سمير جعجع نشر هو أيضًا نسب الإقتراع وجاءت على الشكل الآتي: في بشري بلغت 30.43%، في الكورة بلغت 29%، في كسروان بلغت 37%، في بيروت الأولى بلغت 9.20%، في الشوف 25.20%، في البترون 36.74%، في زغرتا 27.58%، في جبيل 31.80%، في المتن الشمالي 28.10%، في بعبدا 26.75%، في عاليه 24.13%، في بعلبك - الهرمل 29%، في مرجعيون - حاصبيا 27.02%، في النبطية 24.12%، في زحلة 27.20%، في عكار 22%، في بيت جبيل 24.25%، في صيدا 31.50%.

رئيس الجمهورية يخرق

في تقريرها الأول، قالت الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات إن عملية الاقتراع جرت في أجواء مشابهة لسير الحملات الانتخابية خلال الاسابيع السابقة لجهة اشتداد المنافسة بين المرشحين والمرشحات واللوائح، المترافقة مع تساهل في ضمان التزام القانون وبمبادئ الحياد الانتخابي من قبل ادارة الانتخابات. كما سجلت الجمعية مشاهدات عدة، منها:

- نقص في المستلزمات في عدد من المراكز أكثرها أهمية عدم وجود اقفال؛

- عدم احترام فاضح للصمت الانتخابي ابتداء من رئيس الجمهورية الذي أعلن أنه صوت للائحة العهد قائلًا "صوتي للعهد"، وصولًا إلى بعض المرشحين والمرشحات ووسائل إعلام؛

- مرافقة مندوبي أو مندوبات اللوائح لعدد كبير من الناخبين والناخبات خلف العازل بحجة الأمية والاعاقة، من دون التحقق من ذلك، ومن دون تسجيل هذه الواقعة في المحاضر، ما يمثل خرقًا لسرية الاقتراع وضغطًا على الناخبين داخل الاقلام؛

- طلب بعض الماكينات الانتخابية من المواطنين طي ورقة الاقتراع بالعكس للتمكن من تتبع اصواتهم عند عملية الفرز؛

- عنف مباشر كحادثة الاعتداء على مرشحة "كلنا وطني" في بنت جبيل وحوادث حصلت في جبيل وزحلة.

بين المستقبل وحزب الله

واكب العملية الانتخابية اليوم العديد من الاشكالات، إذ زعم مندوبو لائحة "كلنا وطني" طرد مندوبي لوائح المجتمع المدني من مراكز الاقتراع في بيروت الأولى بحجة "وجود خطأ في تراخيصهم التي منحتها وزارة الداخلية". وطلبت القوى الأمنية من بعض المندوبين مغادرة المراكز، وواكبتهم إلى الشارع، ومنعت بعض المندوبين الجوالين من الدخول إلى مراكز الاقتراع من دون إبداء أسباب قانونية.

وتعرضت ريما حميد، إحدى مرشحات "حزب سبعة" في الجنوب للاعتداء والضرب والتهديد بآلة حادة في مدرسة صربين في بنت جبيل. وفي البقاع، سرق سيارة قناة "أل بي سي" المعدة للبث الخارجي.

وفي البقاع أيضًا، حدث إشكال بين مندوبين ومناصرين للقوات اللبنانية وآخرين لتيار المستقبل أمام قلم اقتراع المعلقة في زحلة، وتدخلت القوى الأمنية التي أوقفت أحد مفتعلي المشكلة وأعادت الأمور إلى طبيعتها.

في دائرة بيروت الثانية، وقع اشتباك بالأيدي بين أنصار حزب الله وتيار المستقبل على مدخل أحد مراكز الاقتراع، فتدخل الجيش اللبناني سريعًا.

كذلك، وقع اشكال في مركز متوسطة معروف سعد الرسمية بينما كان رئيس بلدية صيدا محمد السعودي يرافق زوجته للإدلاء بصوتها، حيث قام مناصر لمرشحي إحدى اللوائح المنافسة في صيدا بالتهجم عليه. ونفى التنظيم الشعبي الناصري أن يكون مفتعلو الاشكال منتمين إليه أو من مناصريه. وحصل إشكال بين تيار المستقبل والأحباش في مدرسة عمر فروخ في الطريق الجديدة، حيث كان بعض الأشخاص يريدون تعليق صورة لحسن نصرالله، فحصل تضارب بين الطرفين، وتجدد هذا الإشكال أكثر من مرة، ما ساتدعى تدخل القوى الأمنية بجدية.

إشكال الشويفات

وسُجّل اشكال في بلدة علمات جبيل بين مناصري أحد الاحزاب وناخبين غير مؤيدين له تخلله تضارب وتشابك بالأيدي.

كذلك وقع اشكال كبير في منطقة الشويفات في إحدى أقلام الإقتراع بين مناصري الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي اللبناني الذي يتزعمه طلال أرسلان، أدى إلى تكسير صندوق الإقتراع وتطاير المغلفات. فوسط جوّ من الفوضى والصراخ، قام المعترضون في الشويفات بتكسير صندوق الإقتراع على خلفية عدم توقيع رئيس القلم على مغلفات الإنتخاب. علمًا أن الورقة غير الموقّعة من قبل رئيس القلم ملغاة. وأفادت الوكالة الوطنية للأنباء أن رئيس القلم في الشويفات رفض توقيع اللوائح الانتخابية، ما دفع مندوبي المرشحين إلى الاعتراض وتكسير الصندوق. ونقلت وسائل إعلام لبنانية عن مصدر في الحزب الديموقراطي اللبناني قوله إن رئيس أحد الأقلام في منطقة العمروسية في الشويفات لم يوقع المظاريف في القلم، ولم يتمّ التنبّه إلى عدم قانونية هذه الخطوة إلا بعد تصويت نحو 50 مقترعًا، وأن الحزب قدّم طعنًا في هذا السياق.

وكانت غرفة العمليات المركزية الخاصة بالانتخابات النيابية في وزارة الداخلية والبلديات أفادت أنه منذ السادسة صباحًا، عالجت غرفة العمليات المركزية في وزارة الداخلية والبلديات أكثر من 400 إتصال وشكوى تتعلق بالنواقص داخل صناديق الاقتراع، خصوصًا أنها وضعت منذ مساء الجمعة خطًا ساخنًا بتصرف غرفة العمليات المركزية الخاصة بالانتخابات النيابية العامة، لتلقي الإتصالات والشكاوى والاستفسارات من المواطنين والمرشحين بكل ما يتعلق بالعملية الانتخابية.

وجوه جديدة!

بانتظار أن تعلن النتائج النهائية، يتوقع المراقبون أن تغيب وجوه برلمانية تقليدية اعتادها اللبنانيون عن البرلمان الجديد. فمن بين 582 مرشحًا لهذه الانتخابات، ثمة وجوه شابة جديدة، من أمثال المرشح عن المقعد الارثوذكسي في بيروت الثانية مخايل مخايل، وعن المقعد السني في دائرة الشمال الثانية سامي فتفت، وعن المقعد الماروني في دائرة الشمال الثالثة طوني فرنجية، والمرشح عن المقعد السني في دائرة الشمال الأولى طارق المرعبي، وعن المقعد الدرزي في دائرة الشوف - عاليه تيمور جنبلاط، وعن المقعد الماروني في الدائرة ذاتها راجي السعد.

وبحسب تقرير نشرته رويترز، وفي خطوة لم يتصورها أحد، تحالفت مجموعة من النشطاء لخوض الانتخابات في تحد نادر للعائلات السياسية من مختلف الطوائف وأمراء الحرب الذين يقول هؤلاء النشطاء إنهم أوصلوا البلاد إلى الخراب.

يضم التحالف صيدلانيًا وإحدى المدافعات عن حقوق المرأة وشخصية تلفزيونية شهيرة، ويسعى إلى تحقيق اختراق وإن كان محدودًا في الانتخابات التي تجري لأول مرة منذ تسع سنوات.

ولم يسبق أن شهدت الانتخابات اللبنانية هذا العدد الكبير من المرشحين المستقلين بينهم عشرات من خارج الأحزاب التي تهيمن على البلاد. ويقف هؤلاء في مواجهة نخبة سياسية لم يطرأ عليها تغيير منذ الحرب الأهلية. ويأمل المرشحون المستقلون أن يساهم نظام جديد للتصويت في خلع بعض أفراد الحرس القديم على الأقل، ويريدون الاستفادة من الغضب الذي غذى موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة في عام 2015.

إلى ذلك، تتنافس 86 مرشحة لبنانية لنيل عضوية البرلمان. وتسعى نساء إلى نيل عضوية البرلمان اللبناني لكسر الصورة النمطية التي تقصي المرأة عن المعترك السياسي الذي تهيمن عليه الطبقة السياسية الذكورية.

مل اللبنانيون من الوجوه المتكررة نفسها، ويتطلعون إلى وجود حسناوات في البرلمان، كالشاعرة والكاتبة جمانة حداد، والإعلامية بولا يعقوبيان، والمذيعة جيسيكا عازار، وسواهن من الجنس اللطيف الذي ربما يخفف من جهامة المجلس النيابي اللبناني.