القدس: بعد سبعين عاما على قيامها، تمكنت اسرائيل من إرساء اقتصاد مزدهر، وتحولت الى القوة العسكرية الاولى في المنطقة، لكن العديد من الاسرائيليين يعتبرون انها تواجه اليوم تهديدا جديدا من نوع آخر يتمثل في نزاع مع نفسها ومع هويتها. 

مع حلول الذكرى السبعين لقيام الدولة العبرية في 14 أيار/مايو، تجد اسرائيل نفسها في صراع بين الذين يدعون الى تعزيز طابعها اليهودي والذين يرون ان هذا يضع مستقبلها ك"ديمقراطية" على المحك.

ويرى يديدا ستيرن، أستاذ القانون في جامعة بار ايلان ونائب رئيس المعهد الاسرائيلي للديمقراطية، أن "موقف الاسرائيليين مرتبط بالمصير. عندما يكون وجودنا على المحك، نكون موحدين". وعندما تهدأ الامور، "نعود أحرارا للتنازع حول مستقبلنا".

ومع مسعى حكومة بنيامين نتانياهو التي تعد الاكثر يمينية في تاريخ اسرائيل، الى تقديم تشريع يعزز طابع اسرائيل كدولة يهودية، تعالت أصوات بارزة ضد هذا التوجه.

ويرى خبراء ان هذه الاجراءات تأتي في إطار بحث الدولة التي قامت على أنقاض المحرقة اليهودية، المستمر عن هوية، لكن المروجين لهذه القوانين يؤكدون انهم يسعون لاعطاء صوت للاسرائيليين الموجودين خارج النخب التقليدية.

الا أن الكثيرين، وبينهم معارضون وفنانون وجامعيون ومسؤولون سابقون، يعتبرون انها تندرج في إطار سياسات شعبوية ستؤدي الى مجتمع أقل ديمقراطية، وحتى الى ممارسة سياسة "ابارتهيد" (الفصل العنصري) في ما يتعلق بالفلسطينيين.

وخاضت اسرائيل حروبا متكررة منذ قيامها، ولكنها غير منخرطة حاليا في اي نزاع مسلح كبير. ويتواصل نزاعها مع الفلسطينيين، ولكنه تراجع الى حد كبير منذ نهاية حرب عام 2014 في قطاع غزة. ويقول خبراء إن الهدوء منح الاسرائيليين مجالا للتفكير في مثل هذه القضايا.

- "مرض خبيث"-

وقدمت حكومة نتانياهو مشروع قانون يعرّف اسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، اللغة العبرية لغتها الرسمية، ويؤكد ان "القدس الموحدة" هي العاصمة. وتم تمرير مشروع القانون في قراءة أولية في البرلمان.

ووافقت لجنة وزارية الاحد على مشروع قانون جديد يحدّ من قدرة المحكمة العليا على إبطال قوانين يقرها البرلمان، في حال رأت انها تخالف القيم الديمقراطية.

وقال وزراء يؤيدون المشروع ان المحكمة جمعت الكثير من الصلاحيات بالمقارنة مع سلطات البلاد الاخرى.

وبين القرارات التي أصدرتها المحكمة وأغضبت الوزراء، تلك التي أمرت سكان المستوطنات العشوائية في الضفة الغربية المحتلة بإخلائها، بالاضافة الى تعليق خطة لطرد المهاجرين الافارقة غير الشرعيين من اسرائيل.

وفي تطور منفصل، سعت وزارة الثقافة في السنوات الاخيرة الى الحصول على سلطة تخولها حجب تمويل المؤسسات التي تعتبرها غير موالية للدولة.

وأكد رئيس سابق لوكالة الموساد الاستخباراتية الاسرائيلية تسفي زامير في حديث مع صحيفة "يديعوت احرونوت" في آذار/مارس الماضي ان "نتانياهو قد يكون ورث دولة تعاني من أعراض، ولكنه قام بتحويلها الى دولة تعاني من مرض خبيث".

-"حصن أم منزل"-

وكانت القيادة الصهيونية العلمانية وممثلون عن اليهود المتدينين المتشددين توصلوا في عام 1947 الى اتفاق منح اليهود المتشددين سلطة الرقابة على قوانين الاحوال الشخصية بما في ذلك الزواج واحترام يوم السبت للراحة الاسبوعية.

وتم الابقاء على هذه الاتفاقية عند قيام اسرائيل في 14 أيار/مايو 1948، وعكس الاعلان الرغبة بتبني قيم ديمقراطية مع التأكيد على "الطابع اليهودي" للدولة الجديدة.

ولا يوجد في اسرائيل دستور رسمي، ولكن يوجد فيها ما يسمى ب "القوانين الاساسية" التي تعد بمثابة الدستور.

وأقر البرلمان في عام 1992 قانونين اساسيين يكرسان القيم "اليهودية والديمقراطية" لاسرائيل، ويفرضان ان يتوافق أي تشريع مع هذين الشرطين. الا ان انعدام وجود تعريفات واضحة ل"اليهودية" و"الديمقراطية" أدى الى تفسيرات متباينة.

ويشير ستيرن الى ان "أعدادا متزايدة من الاسرائيليين يشعرون بالحاجة الى الاختيار بين يهودية وديمقراطية، ويعتقدون ان الطريقة التي يتم فيها تطبيق هذه المُثُل في المجتمع الاسرائيلي ليست متوازنة بما فيه الكفاية".

وتظهر استطلاعات الرأي المتكررة هذا الاتجاه.

وبحسب ستيرن، سيطرت قيم الديموقراطيةة الاجتماعية لليهود العلمانيين من أصل أوروبي في الاربعين عاما الاولى من قيام الدولة العبرية. ولكن مع قدوم مجموعات جديدة، بينها يهود أتوا من دول عربية، عزّز القوميون الدينيون واليهود المتشددون موقعهم كقوة سياسية بارزة.

وأصبح عرب اسرائيل الذين يشكلون 17,5% من سكان الدولة العبرية، ويتحدرون من 160 الف فلسطيني بقوا في أراضيهم بعد قيام اسرائيل، اكثر نشاطا من الناحية السياسية.

ويسيطر حاليا التيار القومي المتطرف على الخطاب السياسي الاسرائيلي مع الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي. ويقول عدد متزايد من السياسيين الاسرائيليين اليمنيين انهم يعارضون حل الدولتين، ويدعون علنا الى ضم معظم اراضي الضفة الغربية المحتلة.

في المقابل، تصدر تحذيرات من أن اي خطوات مماثلة قد تؤدي الى تطبيق تمييز عنصري ضد الفلسطينيين، إذ لن يحصل الفلسطينيون في أي من هذه السيناريوهات على حقوق متساوية.

وكان الكاتب الاسرائيلي ديفيد غروسمان، احد ابرز الاصوات المعارضة في اسرائيل، قال مؤخرا ان "واقع الابارتهايد" موجود بالفعل بسبب الاحتلال الاسرائيلي.

وقال "تمت إقامة اسرائيل حتى تصير منزلا للشعب اليهودي الذي لم يشعر ابدا في العالم أنه في داره".

وتابع "الآن، بعد 70 عاما، اسرائيل القوية قد تكون حصنا ولكنها ليست منزلا بعد".