لندن: أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الثلاثاء انسحاب الولايات المتحدة رسميًا من الاتفاق النووي مع إيران، ووقع مرسومًا يقضي بإعادة فرض العقوبات التي رفعت عن إيران بموجب الاتفاق النووي.

وقال في كلمة ألقاها حول مستقبل دور الولايات المتحدة في الاتفاق النووي مع إيران إن هذه الصفقة الهائلة تسمح للنظام الإيراني بمواصلة تخصيب اليورانيوم، مشيرًا إلى أن لدى الولايات المتحدة أدلة مؤكدة تثبت أن النظام الإيراني ينتهك هذا الاتفاق.

وقال ترمب إن الشرق الأوسط سيمر بسباق للتسلح النووي في حال تمديد الاتفاق مع إيران، متعهدًا فرض عقوبات إقتصادية قاسية ضد النظام الإيراني.

أما وقد حصل ما كانت تخشاه دول كثيرة، كيف يمكن أن ترد إيران ميدانيًا على إلغاء الإتفاق؟ سؤال يساهم في رسم خريطة شرق أوسطية محتملة. وما يزيد احتمالها دخول إسرائيل على خط التوتر العالي بين واشنطن وطهران، بتوجيهها ضربات عسكرية واسعة النطاق فجر الخميس لمواقع تابعة للحرس الثوري في سورية.

برنامج إيران النووي

حذر الرئيس الإيراني حسن روحاني من أن الولايات المتحدة ستدفع ثمنًا باهظًا مقابل إلغاء ترمب الاتفاق الذي وقعته إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. فبانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، ستقول إيران إنها في حلّ من الالتزامات التي تعهدت بها، وتستطيع العودة إلى تخصيب اليورانيوم كما في السابق.

كانت إيران توقفت عن إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20 في المئة وتعهدت بأن تكون نسبة التخصيب في حدود 3.6 في المئة بموجب الاتفاق. كما تنازلت عن القسم الأعظم من مخزونها طبقًا لإتفاق عام 2015.

وقال علي أكبر صالحي، رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية، أخيرًا إن إيران قادرة على تخصيب اليورانيوم بمستوى أعلى منه قبل الاتفاق.

سورية

إيران ضالعة في حماية نظام بشار الأسد بتدخل واسع في حربه ضد المعارضة السورية منذ عام 2012، وحزب الله اللبناني المدعوم من طهران معروف بدوره في مساندة قوات النظام وتغيير موازين القوى على الأرض. كما سلحت إيران آلاف المقاتلين في ميليشيات شيعية لدعم النظام.

أثار هذا التدخل غضب إدارة ترمب وحلفائها الذين ينظرون بقلق إلى تداعيات العربدة الإيرانية على الاستقرار في المنطقة ويبحثون عن طرائق إضافية للضغط على إيران.

لكن محللين يرون أن إلغاء الاتفاق النووي لن يبقي لدى إيران حافزًا يشجعها على لجم الميليشيات التي تقاتل في سورية، حيث يمكن أن تسبب متاعب لحلفاء الولايات المتحدة أو حتى القوات الاميركية المتمركزة في شمال سورية وشرقها لدعم المقاتلين الكرد.

إلى ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي ليل الأربعاء - الخميس أن مواقعه في هضبة الجولان تعرضت لقصف بالصواريخ والقذائف، شنته قوات إيرانية متمركزة في سورية، وعدت إسرائيل ذلك دليلًا جديدًا على التمدد الإيراني على حدودها. وقال الجنرال جوناثان كونريكوس، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إن فيلق القدس أطلق عشرين صاروخًا على أهداف إسرائيلية في المنطقة، وأن إسرائيل اعترضت بعضها.

وردًا على ذلك، قصفت إسرائيل فجر الخميس مواقع عسكرية في سورية، ودمرت مخزنًا للذخيرة وبعض الرادارات، كما قصفت مطار الخلخة واللواء 150 في محافظة السويداء، إضافة مواقع تابعة للنظام السوري في جنوب دمشق وحمص ومدينة البعث في القنيطرة.

 العراق

ما يُقال في سورية يصح في العراق، حيث تدخلت إيران بقوة عندما اجتاح تنظيم داعش مناطق واسعة من العراق في عام 2014. وقامت إيران بتدريب وتسليح فصائل كبيرة من تشكيلات الحشد الشعبي.

إذا أُلغي الاتفاق النووي، تستطيع إيران أن تحرك فصائل الحشد الشعبي الموالية لها للتصعيد ضد الوجود الأميركي، وحتى تنفيذ هجمات ضد المستشارين الأميركيين في العراق.

يمكن أن تتخذ هذه العمليات شكل هجمات بالصواريخ وقذائف الهاون والعبوات المزروعة على الطرق من دون أن تعلن ميليشيا معينة مسؤوليتها عنها، الأمر الذي سيتيح لإيران أن تنفي أنها غيرت موقفها بتفادي الاشتباك المباشر مع القوات الأميركية في العراق.

لبنان

أعلن حزب الله في العام الماضي أن أي حرب تشنها إسرائيل ضد سورية ولبنان ستكون سببًا لتعبئة آلاف المقاتلين من بلدان عدة، بينها إيران والعراق في اشارة إلى أن ميليشيات مدعومة إيرانيًا يمكن أن تدخل لبنان لمساعدة حزب الله.

فاز حزب الله وحلفاؤه بأكثر من نصف مقاعد البرلمان في الانتخابات النيابية اللبنانية الأحد، وهو يتعامل الآن مع خصومه السياسيين وفي مقدمتهم زعيم تيار المستقبل ورئيس الوزراء سعد الحريري.

لكن، بعد إلغاء الاتفاق النووي، تستطيع إيران الإيعاز لحزب الله أن يوقف تعامله مع خصومه السياسيين في تطور يعتقد محللون أنه يمكن أن يزعزع استقرار لبنان. وصرح البروفيسور هلال خشان، استاذ الدراسات السياسية في الجامعة الاميركية في بيروت، لوكالة رويترز: "حزب الله يتحكم بالسياسة اللبنانية، وإذا فعلوا ذلك فانه سيكون تحرشًا خالصًا".

إلى ذلك، إن وصلت المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية إلى نقطة الالتهاب، فلا يستبعد مراقبون أن يتدخل حزب الله، وكيل إيران في المنطقة، في الصراع من خلال جر الساحة اللبنانية إلى صراع حدودي مع إسرائيل، خصوصًا أن فائض القوة الذي يحس به حزب الله بعد ما يسميه "إنجازات" في الميدان السوري، وبعد تحقيقه فوزًا لا يمكن نكرانه في الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة، ربما يدفعه إلى تسعير الوضع.

اليمن

لم تعترف إيران يومًا بتدخلها العسكري المباشر في اليمن، لكن مراقبين يقولون إنها تمد المتمردين الحوثيين بالصواريخ وبأسلحة أخرى، وأن الحوثيين استخدموا هذه الصواريخ ضد السعودية مستهدفين منشآت نفطية.

يقول مؤيدو الإبقاء على الاتفاق النووي إنه منع تصاعد النزاع في اليمن إلى حرب سافرة، وإلغاء الاتفاق سيمكن إيران من زيادة دعمها للحوثيين، وبذلك ارتفاع منسوب خطر اتخاذ إجراءات مضادة أو رد مباشر من السعودية وحليفاتها في الخليج مثل الإمارات.

وفي إطار المواجهة السعودية - الإيرانية، أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الأربعاء أن السعودية ستسعى إلى تطوير سلاح نووي في حال سعت إيران لذلك، وسط تزايد التوتر إثر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني.

دول أخرى

ليست الولايات المتحدة الدولة الوحيدة الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران. وستتأثر ردة فعل طهران بموقف الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق من انسحاب واشنطن.

من العوامل المؤثرة هنا المدى الذي ستسمح فرنسا وبريطانيا وألمانيا لشركاتها بالاستمرار معه في التعامل مع إيران. فعلى سبيل المثال، تأمل شركة النفط الفرنسية العملاقة "توتال" في الحفاظ على صفقة بقيمة 8.4 مليارات يورو مع إيران لتطوير حقل للغاز البحري. وسبق للرئيس التنفيذي لشركة توتال باتريك بويانيه وأن أكد أنّ الشركة تسعى إلى الحصول على تنازل يسمح لها بمواصلة العمل في إيران إذا أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات. ومن الشركات الأوروبية الكبرى الأخرى التي وقعت صفقات مع إيران "رينو" للسيارات و"إيرباص" للطائرات.

من جانب آخر، أصبحت روسيا حليفة مهمة لإيران، تحميها من فرض عقوبات إضافية ضدها في مجلس الأمن، فيما عملت الصين على ضم إيران إلى مبادرة "الحزام والطريق" للتجارة والاستثمار.

ربما تكون المحصلة صراع إرادات إذا أعادت إدارة ترمب بشكل جدي العقوبات على إيران، وهددت منتهكيها بمنعهم من استخدام النظام المصرفي الأميركي. ومن بين الدول الموقعة الصين، اكبر مستوردي النفط الإيراني، وهي وحدها القادرة على تحدي هذا المنع.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "دايلي تلغراف". الأصل منشور على الرابط:

https://www.telegraph.co.uk/news/2018/05/08/will-iran-do-donald-trump-pulls-nuclear-deal/