شابات مصريات كثيرات تركن الأرياف إلى القاهرة بحثًا عن النجاح، وتحدين إرادة العائلة، وهدفهن شق الطريق إلى المستقبل بسواعدهن، فحققن ما أردن، وساهمن فعليًا في تغيير نظرة المجتمع المصري إلى المرأة، خصوصًا بعد الثورة. 

إيلاف من القاهرة: يبلغ عدد سكان العاصمة المصرية القاهرة نحو 20 مليون نسمة، ويقصدها نحو تسعة ملايين آخرين لقضاء مصالحهم، إما للدراسة أو العمل أو إنجاز مهام رسمية في مقرات الحكومة أو زيارة أقاربهم، وبين هؤلاء طالبات يؤثرن العاصمة على سائر المدن المصرية الأخرى، ويرين مستقبلهن فيها.

مع اندلاع ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، تغيرت نظرة المجتمع إلى المرأة، ولا سيما الفتيات، وأصبح أكثر تقبلًا لاستقلالهن أو "تمردهن"، وسعيهن للدراسة أو العمل.

إيمان
"إيمان" فتاة مصرية تبلغ من العمر 26 عامًا، تعيش في القاهرة مغتربة عن أسرتها بمحافظة الشرقية منذ ثمانية أعوام، بحثًا عن تحقيق حلمها في العمل بمهنة الصحافة.

وتقول إيمان لـ"إيلاف" إنها تحدت إرادة أسرتها التي كانت تريدها أن تدرس في جامعة الزقازيق، مشيرة إلى أنها تعشق الصحافة منذ صغرها.

"إيمان" عاشت أربعة أعوام في المدينة الجامعية التابعة لجامعة القاهرة، عندما كانت تدرس في كلية الإعلام قسم صحافة. لما انتهت من دراستها، طلبت أسرتها منها الاكتفاء بالحصول على شهادة البكالوريوس وانتظار "ابن الحلال"، أو العمل مراسلة لأية صحفية من محافظة الشرقية، لكنها أبت إلا السعي وراء تحقيق حلمها، حتى لو كلفها ذلك الحياة مغتربة وحيدة بعيدًا عن أسرتها.

تعاني "إيمان" في حياتها بمدينة القاهرة بعد انتهاء الدراسة والدخول في معترك الصحافة، وتقول أن الحياة في العاصمة قاسية جدًا، موضحة أنها تقيم مع أربع فتيات أخريات يعملن في مهن مختلفة وطالبات بالجامعة، في شقة مساحتها 50 مترًا مربعًا، تضم غرفتين، أي كل اثنتين في غرفة، في حي بين السريات الشعبي في الجيزة القريب من وسط القاهرة، وتدفع كل واحدة منهن 300 جنيه شهريًا إيجارًا.

وتشير إلى أن "الحياة في القاهرة مرتفعة التكاليف جدًا، إضافة إلى الإيجار، هناك المصاريف الشخصية التي لا تقل عن 2000 جنيه شهريًا، ونفقات المواصلات وتكاليف العمل، ومنها مصاريف الإنترنت والموبايل، التي تصل إلى حوالى 500 جنيه شهريًا، أي أنها تحتاج إلى ثلاثة آلاف جنيه على الأقل، وهذا المبلغ يستحيل توفيره عبر العمل في الصحافة".

وتضيف "الصحيفة التي أعمل فيها تدفع ما يتراوح بين 1200 و1500 جنيه شهريًا، أي نصف المبلغ تقريبًا، واضطر إلى اللجوء لأسرتي شهريًا لطلب المزيد، ما يضعني تحت ضغوط هائلة"، لكنها تعيش على أمل أن تتخذ إدارة الجريدة قرارًا بتعيينها وإدراج اسمها ضمن جداول نقابة الصحافيين، وعندها تتحسن أحوالها المادية قليلًا، لكن الأهم أنها ستكون صحافية معترف بها في الدولة رسميًا، وهذا حلمها.

مريم
"مريم" تمردت على الحياة في الصعيد، وقصدت القاهرة للحصول على فرصتها في العمل، وتحقيق ذاتها، ونيل لقب "دكتورة نفسية". درست مريم الطب النفسي وتأهيل المعاقين في محافظة بني سويف حيث ولدت وكبرت. 

وبعدما نالت البكالوريوس، وجدت نفسها مضطرة للجلوس في المنزل، لعدم توافر فرص عمل لها في محافظتها بالصعيد، خصوصًا أن النظرة إلى الطب النفسي ليست جيدة.

الحياة في القاهرة بالنسبة إلى "مريم" هي الأمل الوحيدة لتحقيق ذاتها، وتقول لـ"إيلاف" إنها تركت أسرتها في بني سويف، وتحدتها من أجل العمل في المجال الذي تعشقه، مشيرة إلى أن الظروف اضطرتها لذلك، وتعمل حاليًا في إحدى مؤسسات رعاية الأطفال ذوي الإعاقة، وتقدم إليهم مقررات في التخاطب والتأهيل النفسي، وقد اكتسبت خبرات كبيرة، وتتمنى أن تتمكن في يوم ما إنشاء مؤسسة أو جمعية خاصة بها.

تلفت "مريم" إلى أن ما تتقاضاه من أموال عن عملها في مجال التأهيل النفسي للأطفال المعاقين، يكفي نفقاتها في القاهرة، ويمكنها من إرسال بعض منه إلى أسرتها في بني سويف، لكن هناك مشكلات أخرى تقابلها يوميًا، فالنظرة السلبية إلى الفتاة المغتربة في القاهرة هو أكثر ما تعانيه، مشيرة إلى أنها وجدت سكنًا للمغتربات بصعوبة شديدة، بسبب رفض أصحاب المساكن التأجير للفتيات العازبات، خشية أن تكون إحداهن هاربة من أسرتها في بلدها أو أن يكون لها عشيق، ما يجلب لصاحب المنزل المشاكل.

وتتعرض "مريم" لمضايقات وتحرش لفظي يوميًا، مبررةً ذلك بالقول، إن أغلبية شباب المنطقة التي تقيم فيها ببولاق الدكرور يرون في الفتاة المغتربة فريسة سهلة، لا أهل لها ولا أشقاء يمكنهم الدفاع عنها، لكنها تتجاهل تلك الأمور، فلديها هدف تريد تحقيقه، ولو علمت أسرتها بما تتعرض له لأرغمتها على العودة إلى بني سويف.

هاجر
تركت "هاجر" أسرتها في محافظة المنوفية، وحضرت إلى القاهرة لدراسة فن التصوير، وتعمل في إحدى شركات الانتاج الفني في مجال الأفلام الوثائقية.

وتقول إن أسرتها أبدت ممانعة شديدة في البداية، لكنها عندما أصرت على السفر إلى القاهرة والحصول على حقها في تحقيق أحلامها، منحوها فرصة سنة ونصف فقط، كما أنها ستعود إلى المنوفية إن فشلت.

وتضيف لـ"إيلاف" "كسبت الرهان، وحصلت على عمل في شركة انتاج فني سريعا، وأعيش في القاهرة منذ ثلاثة أعوام، وسأمضي فيها ما تبقى من سنوات حياتي، ففي القاهرة وجدت نفسي وحققت حلمي، وعثرت على نصفي الآخر، وسنتزوج قريبًا".

بات المجتمع المصري يتقبل خروج الفتاة من منزلها على وجه الخصوص في الصعيد أو الوجه البحري للدراسة أو العمل، والانتقال إلى القاهرة والعيش فيها بمفردها، ولا سيما بعد ثورة 25 يناير التي شاركت فيها النساء والفتيات بقوة.

وتقول جيهان شحاتة، الباحثة بالمركز المصري للمرأة، لـ"إيلاف: "إن الفتاة المصرية أصبحت أكثر تطلعًا إلى ممارسة حقها في العمل والاستقلال عن الأسرة، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة في تنام مستمر منذ الثورة التي شاركت فيها المرأة، ولاسيما الفتيات، كما ساهمن في تغيير نظرة المجتمع إلى المرأة ونظرتها هي إلى نفسها وبنات جنسها.

وتضيف أن أهم أسباب الاستقلال أو التمرد هو الدراسة أو العمل، لافتةً إلى أن القاهرة هي المقصد الأول للفتيات الراغبات في الاستقلال، ففيها تتوافر فرص العمل والسكن وتحقيق الذات، على الرغم من صعوبة الحياة.