كشفت دراسة صادرة عن الأزهر أن معظم مرتكبي الأعمال الإرهابية في فرنسا مصنفون من قبل الأمن الفرنسي ضمن فئة "أس" "S"، الخطرة، مشيرة إلى أن تنظيم داعش دخل مرحلة جديدة بعد خسارة الأراضي والموارد المالية له في سوريا والعراق، ويعتمد على استيراتيجية جديدة تعرف بـ"الألف لطمة".

إيلاف من القاهرة: قالت دراسة صادرة عن مرصد الأزهر، الذي يعنى بتحليل ورصد ودراسة ومواجهة التطرف في العالم، إن تنظيم "داعش" بدأ مرحلة جديدة بعد أن فقد الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، وكذلك معظم مصادر تمويله، مشيرًا إلى أن التنظيم أصبح يعتمد أكثر على شبكاتٍ من الأفراد أو الخلايا الأقل ظهورًا والتي تعمل بدرجة معينة من الاستقلالية، لشن هجمات إرهابية رخيصة التكلفة، تتوافق مع إستراتيجية "داعش" المسماة "ألف لطمة"، والتي ترمي إلى إنهاك قوى الخصم وإفقاده القدرة على الصمود من خلال إصابتِه بالعديدِ من الجراح الدامية والتي من شأنها تركيعه ومن ثم إخضاعه.

وأضافت الدراسة: "في الوقت الذي يحاولُ فيه تنظيم "داعش" أن يلملمَ أوراقَه من جديد من خلال تعدد هجماته الإرهابية في كثيرٍ من البلدان، تعتبر فرنسا أكثر دول القارة العجوز استهدافًا من قبل التنظيم، وذلك لتعرضها لـ 79 هجومًا إرهابيًّا أسفر جميعها عن سقوط العديد من الضحايا من الشباب الفرنسي، وكذلك إحباط العديد من الهجمات الإرهابية على الأراضي الفرنسية في أقل من خمسة أعوام".

وحسب الدراسة، فإن وزارة الداخلية الفرنسية تملك ملفًا يعرف باسمِ المصنفينَ "أس" والحرف "أس" يرمز لكلمة "أمن" بالفرنسية، تجمع فيه الوزارة كل المعلومات عن أي شخص يشتبه بأنه "يشكل خطرًا على الأمن العام الفرنسي"، كالأشخاص المتطرفين، وحتى الأشخاص الذين يشكلون خطرًا من اليساريين واليمينيين المتطرفين، إضافة إلى الأشخاص الذين يتم تقييمهم على أنهم يشكلون "تهديدًا إرهابيا"، والذين تتم تسجيلهم في سجلات بلاغاتِ الوقاية من التطرف الإرهابي (FSPRT)، والذين بلغ عددهم في فرنسا نحو عشرين ألف مشتبه به. 

يضم هذا الملف أشخاصًا يمثلون تهديدًا بدرجات متفاوتة، تنتهي بالأشخاص الذين يدعمون التنظيم أو من خلال اتصالهم به عن طريقِ السفر أو العزم على السفر إلى المناطقِ التي يفرض سيطرته عليها. ويتِم تحديث القوائم باستمرار من خلال ما تبلغ عنه الأجهزةُ الأمنيةُ أو عبر الخط المجاني الساخن الذي خصصته وزارة الداخلية منذ أبريل 2014.

تشير الدراسة إلى أن هناك العديد من المستويات من المصنفين "أس" لضمانِ تعقب الأشخاص وفقًا لدرجة خطورتهم، حيث تتراوح درجات الخطورة من 1 إلى 16، وليس بالضرورة أن يكون "S16" أكثر خطورة من "S1". فالرقم يهدف في المقام الأول إلى مساعدة أجهزة إنفاذ القانون في تنفيذِ الإجراءات الأكثر ارتباطًا بحالة الأشخاص الذين يرصدونها. 

فعلى سبيلِ المثالِ، واعتمادًا على المستوى، قد يوصى بأن يقوم مسئولو إنفاذ القانون "بعدم جذب الانتباه" و"تحديد هوية الأشخاص المرافقين". كما أن بطاقة S16 تقابل المقاتلين المتطرفين العائدين من العراق أو سوريا.

وكشفت الدراسة عن بعض المصنفين ضمن الفئة "إس"، ومنهم:

- "عادل كرميش وعبد الملك بيتيجين"، مرتكبا الهجوم على كنيسة "سانت اتيان دو روفاري" في 26 يوليو 2016.

- "العروسي عبالا"، قاتل اثنين من الشرطة في "ماني فيل" في 13 يونية 2016.

- "اسماعيل عمر مصطفى و سامي أميمور وفؤاد محمد أجاد"، مرتكبو هجمات 13 نوفمبر 2015 في فرنسا.

- "أيوب الخزاني"، قام بتفجير قطار "تاليس" في 21 أغسطس 2015. كان S3 منذ عام 2014 وكانت إسبانيا قد أبلغت عنه.

- "ياسين صالحي"، الذي قتل رئيسه "هيرفي كورنارا" في "سان كوينتن- فالافييه" (إيزير) في يونية 2015. تم تسجيله في S13 من عام 2006 إلى 2008.

- "شريف وسعيد كواشي" : مرتكبا هجوم "تشارلي إيبدو"، 7 يناير2015.

- "أميدي كوليبالي"، صاحب هجمات يناير 2015 في فرنسا.

- "مهدي نيموش"، صاحب الهجوم على "المتحف اليهودي البلجيكي"، 24 مايو 2014.

- "محمد مراح"، مؤلف أعمال القتل التي ارتكبت في الفترة من 11 إلى 19 مارس، 2012 في "تولوز ومونتوبان". كان لديه بطاقة S"" من عام 2006 إلى عام 2010 و "S5" في عام 2011.

- "رضوان لاكديم" – مرتكب حادث "أود"

- "حمزة عظيموف" مرتكب حادث "الأوبرا" بباريس.

وكشفت الدراسة أن هناك حالة من الغضب، بسبب ارتكاب المصنفين "إس" العديد من الجرائم الإرهابية، وقالت: رئيس الوزراء الفرنسي "إدوارد فيليب" أكد أمام الجمعية الوطنية، في أعقاب هجوم "أود" الإرهابي، بشأن المصنفينَ "أس" : "أن طردهم جميعًا، أو سجنهم جميعًا، يعد تجاهلًا كبيرًا لأدواتنا الاستخباراتية"، في الوقت الذي كان قد تم استدعاء "رضوان لاكديم" من قبل الأجهزةِ الاستخباراتية؛ من أجل "مقابلة تقييمية"، قبيل ارتكابه هجوم "أود" الإرهابي، لاسيما أنه كان مصنفًا "أس" منذ عام 2014، ومسجلًا منذُ 2015 في سجلات بلاغات الوقاية من التَّطَرُّفِ الإرهابي (FSPRT).

كما دعا عمدة بلدية بيزييه "روبير مينار" إلى اتخاذِ تدابير أكثر حسمًا، قائلًا : "من بينِ المصنفينَ "أس"، هناك أجانب ومزدوجو الجنسية وفرنسيون. والقانونُ الفرنسي لا يتعامل بنفس الطريقة مع الأصناف الثلاثة. أعتقد أنه في حالة تصنيف الشخص الأجنبي بـ "أس"، فمن الطبيعي أن لا يتعين عليه البقاء على الأراضي الفرنسية. وهذا هو الحل الأمثل".

كما يرى "روبير مينار" أنه لم يعد هناك مكانٌ في فرنسا لكل من ذهبوا للانضمامِ لصفوفِ "داعش" في سوريا أو العراق قائلًا : "لقد خانوا بلدهم وأعلنوا الحرب عليها واختاروا الذهاب إلى مكان آخر والبقاء فيه. وكذلك نساؤهم وأولادهم، هذا شأنهم وليس شأن فرنسا. لا أريد أن تربي فرنسا أطفالًا أُرضعوا كرهًا لها".

ووفقًا لاستطلاع رأي أجراه مركز " Odoxa-Dentsu Consulting" فإن 87% من الفرنسيين يرغبون في وضعِ المصنفين "أس"، الذين يعتبرون "الأكثر خطورة"، قيدَ الاحتجاز الإداري، وهو الاقتراح الذي دافع عنه مؤخرًا "مانويل فالس" رئيس الوزراء الاشتراكي السابق، الذي لاقت فكرته حول حظر السلفية في فرنسا صدى كبيرًا للغاية بين عينة الاستطلاع، حيثُ أيد هذه الفكرة نحو 88%. بينما أيد نحو 83% من العينةِ فكرة طرد الأجانب المصنفين "أس" من الأراضي الفرنسية.

فيما أعلن وزير الداخلية الفرنسية "جيرار كولومب" في تصريحات صحافية، أنه تم طرد نحو 20 أجنبيًّا من فرنسا في عام 2017م، وهو رقم قياسي"، مشيرًا إلى أن الهجمات الإرهابية التي وقعت في "تريب وكاركسون" "يصعب التنبؤ بها".

وأضاف أنَّ منفذ هذه الهجمات "رضوان لاكديم" مسجل في سجلات بلاغات الوقاية من التطرف الإرهابي (FSPRT) منذ نوفمبر 2015م، ولكن التحريات لم تظهر "أية إشارة لاحتمال مروره إلى تنفيذ أعمال إرهابية". كما أرسلت له الإدارة العامة للأمن الداخلي (DGSI) خطاب استدعاء في شهر مارس لإجراء "مقابلة تقييمية" لدرجة خطورته، وللتأكُّدِ من أنه "لم تظهر عليه علاماتُ التطرف"، لافتًا إلى أن وضع 26 ألف من المصنفين "أس"، أو الأشخاص المصنفين بـ "الخطيرين" في السجن، مستحيلًا".

ووفقًا للدراسة، فإنه بعد حادث طعن "الأوبرا" الإرهابي الأخير، والذي أسفرَ عن مقتلِ شخصٍ وإصابةِ أربعةٍ آخرين، على يد "حمزة عظيموف" الذي قتلته الشرطةِ الفرنسية، والذي كان مدرجًا في ملف المصنفين "أس"، عاد هذا الملف مرة أخرى ليحدث جدالًا واسعًا داخل الأوساط الفرنسية، وصل لدرجة انتقاد حكومة "إدوارد فيليب" واتهامها بالتقصير في التعامل مع هذا الملف، وأثار في الداخل الفرنسي العديد من التساؤلات: ما هي المعايير المعتبرة لإدراج أي شخص مشتبه به على القائمة "أس"؟ وما وجه الاستفادة من هذه القوائم بعد ذلك؟ هل التعامل مع المصنفين "أس" يكون بالطرد أم بإعادة الاندماج من خلال تفعيل دور المؤسسات الدينية والتربوية والاجتماعية؟ وهل فرنسا تملك الموارد المطلوبة لمراقبة المشتبه بهم على مدار الساعة، حيثُ إنَّ مراقبةَ مشتبه به واحد تتطلب 20 شرطيًا وفق أحد الخبراء؟ أم على السلطات الفرنسية اعتراض الهواتف أو شبكات التواصل لتجنب المخاطر الكبيرة؟ وهل المراقبة باستخدام التقنيات الذكية ستكون كافية؟ أم هل من الممكن اتخاذ تدابير تشريعية جديدة لضمان تجريم هؤلاء الأشخاص المصنفين "أس"؟