باريس: يفتتح الخبير الاستراتيجي الصيني الشهير سون تسو مقدمة الفصل الثالث عشر من كتابه "فن الحرب" بهذه الكلمات "ليكن لديك جواسيس في كل مكان، اعرف كل شيء ولا تهمل اي شيء مما يمكن ان تعلمه".

وتتبع اجهزة الاستخبارات الصينية هذه التعليمات بحذافيرها، كما يقول خبراء ومسؤولون سابقون في الاستخبارات الفرنسية. وركزت عملها خلال الفترة الاخيرة على البحث عن المعلومات الاقتصادية، واتهم عميلان سابقان للاستخبارات الفرنسية بالعمل لحساب الاستخبارات الصينية. 

وقال آلان شويه رئيس الادارة العامة للامن الخارجي "دي جي اس اي" لوكالة فرانس برس "حتى قبل عشرين عاما، كان الصينيون يركزون على التجسس على المعلومات الاقتصادي والتقنية، ويسعون لنهب ما يستطيعون من التكنولوجيا الغربية".

واضاف "بعد ذلك انتقلوا الى ساحة الكبار: اخذوا كغيرهم من القوى الكبرى يعملون في التجسس السياسي. انهم يحاولون معرفة نوايا الآخرين في مجالات السياسة والدبلوماسية وغيرها.. مع مواصلة ابحاثهم للاستخبارات الاقتصادية بالتأكيد".

وتابع شويه "لذلك من المنطقي القول ان هدفهم الاول يتركز على منطقة المحيط الهادىء. انهم يريدون معرفة ما يفعله الاميركيون اولا وكذلك الهنود والاستراليون وكل قوى المنطقة. بعد ذلك تأتي الدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي لانه من المهم معرفة ما تنوي فعله وتفكر به هذه الدول".

وفي مقال مخصص للصين في "قاموس الاستخبارات"، يقول فيليب مارفالان ان "استراتيجية الصين التي تقضي بان تصبح قوة عالمية من الصف الاول تستند الى حد كبير على اجهزة استخباراتها"، مشيرا الى ان "مهمة وزارة امن الدولة التجسس الخارجي ومكافحة التجسس ومكافحة المعارضين السياسيين".

وتتألف هذه الوزارة من 18 مكتبا "تضم في مجموعها سبعة آلاف موظف يضاف اليهم على الارجح نحو خمسين الف عميل غير قانوني يطلق عليهم اسم +تشين ديو+ اي اسماك الاعماق"، على حد قوله.

ويضيف ان هؤلاء "جعلوا من الولايات المتحدة هدفهم الرئيسي وهم حاضرون في اوروبا بشكل خاص في فرنسا وبريطانيا وهولندا والمانيا".

- "السيد باترفلاي" -
يؤكد رئيس سابق لجهاز استخبارات فرنسي طلب عدم كشف هويته ان "التجسس الصيني في فرنسا نشيط جدا بشكل دائم". 

ويضيف ان هذا التجسس "يطال كل شىء، تجسس صناعي وعلى التكنولوجيا المتطورة. مثلا ضباط الصف او ضباط البحرية الفرنسيون المكلفون النووي هم اهداف (...) يجدون انفسهم متزوجين من شابات صينيات لطيفات جدا". 

ويتابع ان "بكين وضعت عددا لا بأس به من الصينيين في مدارس المهندسين وعلماء الذرة والكهربائيين والعلوم السياسية، في كل مكان بالتأكيد". ويضيف "يمكن التعرف على اي منهم. هذا تسلل هادىء وليس تجسسا فجا كما في افلام السينما".

وكان طالب صيني التحق بالمعهد الوطني للادارة، الجامعة العريقة، ضبط وهو يلتقط صورا لوثائق.

وقال فرنسوا ايف دامون الخبير في شؤون الصين والمؤرخ الذي اعد لحساب المركز الفرنسي لابحاث الاستخبارات دراسة في ثلاثة اجزاء بعنوان "اجهزة الاستخبارات والامن في جمهورية الصين الشعبية"، لفرانس برس انه كان يقوم بنسخ "كل ما يقع بين يديه". 

واضاف هذا المتعاون السابق مع الادارة الوطنية للامن الخارجي "نظرا لمعرفتي بقدرات الاختراق التي تملكها الاجهزة الصينية، قضية كشف العميلين المتقاعدين في ادارة الامن الخارجي وسجنهما لا تثير استغرابي اطلاقا".

واشار الى ان الصينيين "تمكنوا مثلا من اختراق عميل لمكتب التحقيقات الفدرالي الاميركي (اف بي آي) لحوالى ثلاثين عاما".

واضاف "عندما كنت اعرف ان هناك شخصا ما يحمل الجنسية الصينية، كان يثير الامر اهتمامي".

وفي تاريخ التجسس بين الصين وفرنسا حادثة لم تمح من ذاكرة بعض القدامى في الاستخبارات.

ففي سبعينات القرن الماضي، خان دبلوماسي فرنسي كان يعمل في الصين بلده وقام بتسليم بكين وثائق دبلوماسية من اجل مغنية تدعى شي بي بيو كانت تربطه بها علاقة عاطفية.

والمغنية التي اقنعته بانهما رزقا بطفل، كانت في الواقع رجلا. وقصة الدبلوماسي الذي ادين بالخيانة في 1986 تحولت الى اوبرا وفيلم اميركي يحمل عنوان "السيد باترفلاي".