كان برنارد لويس أول من رسم صورة مغايرة للإسلام في الإطار الأوروبي، ما مثل صدمة معرفية. لكن هذا أثار حفيظة إدوارد سعيد، فكان كلامًا في الاستشراق استحق ردًا من المؤرخ البريطاني.

إيلاف من لندن: في ١٩ مايو الجاري، أعلن موت المستشرق الإنكليزي برنارد لويس الذي عاش قرنًا وعامين بالتمام والكمال. قامت الدنيا وما قعدت لموته: كثيرون رثوه وأبنوه، وكثيرون سبّوه ولعنوه، وكثيرون أيضًا نعتوه بالمستشرق السباق، وكثيرون وصفوه براسم خريطة تقسيم الشرق الوسط... وحتى أبو "داعش" القرن. 

المستشرق السباق 

أيًا تكن التسمية، ما لا يمكن نكرانه أن لويس أحد أهم المستشرقين الغربيين المعاصرين بكل المقاييس، من أهم المباحث الفلسفية التي شغلت تفكيره توصيفه الدين الإسلامي وتقديمه للعالم الغربي، وتلك الصدمة المعرفية التي أتبعه هذا التقديم بالقول إن الصورة الذهنية النمطية السائدة في العقلية الغربية عن الإسلام صورة مغلوطة ومستحيلة، خصوصًا النظر إلى الدين الإسلامي في صورة فارس يمسك بالسيف في يمينه وبالقرآن في شماله. كما طرح لويس سؤالًا جوهريًا: "لماذا تخلف المسلمون عن ركب الحضارة؟"، مسجلًا الاختلاف الرئيسية بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي، ما أدى إلى حدوث فارق شاسع في عملية التطور بين الجانبين.

في خضم تقديمه الإسلام للغرب، يؤكد لويس أن الحركات الثورية كلها التي رفعت راية التغيير والخروج على الحاكم الظالم احتذت بالأنموذج النبوي، واستلهمت منه فكرة الثورة والحق في العدالة. لكن، على الرغم من ذلك، بقي الفكر الثوري غريبًا عن الإسلام التقليدي.

إلى ذلك، لم يؤد لويس دور المستشرق فحسب، بل كان فاتحًا في دراسة سياسات الشرق الأوسط في العصر الراهن، فكان السباق إلى استخدام مفهومي "الأصولية الإسلامية" و"الإسلام الراديكالي"، اللذين شاعا بشكلٍ واسع النطاق في الإعلام الغربي، وتبوأا مكانين بارزين في معجم المصطلحات السياسية الشرق أوسطية. 

سعيد مهاجماً لويس

لم يعجب المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد باستشراق لويس، فقال إنه لا يستطيع فهم حقيقة بديهية مفادها أن معرفة الغرب الحديثة للشرق قامت على استحواذ أوروبيين بالمعنى الحرفي للكلمة على وثائق من الشرق ونقلها ثم دراستها.

أضاف سعيد أن مجال الدراسات الاستشراقية تحول ممارسات ثقافية سياسية تحوّرت بالتأكيد الذاتي لا بالدراسة الموضوعية، وهو اعتبرها ضربًا من ضروب العنصرية وأداةً للهيمنة الاستعمارية، مشككًا في الحيادية العلمية إزاء العالم العربي لبعض المختصين بمنطقة الشرق الأوسط، ومنهم لويس، ملمّحًا إلى أن قدمه لم تطأ الشرق الأوسط والعالم العربي أربعين عامًا، وأنه يعامل الإسلام بصفته كيانًا ووحدة واحدة متناغمة من دون حدٍ أدنى من التعددية والديناميكيات الداخلية لهذا الدين، وتعقيداته التاريخية. 

اتهم سعيد لويس بالغوغائية والجهل الصريح، وقال إن الإسلام الذي يقدمه يتكرر ولا يتغير حيث الميل إلى العنف والحنق ومعاداة الحداثة. ولاحظ سعيد أن إفادات لويس أمام أعضاء في مجلس الشيوخ تخلط عدوانية الحرب الباردة المعهودة بتوصيات حارة بمد اسرائيل بأسلحة أكثر فأكثر.

هيمنة السعيديين

أتى تعليق لويس على رأي سعيد حين قرأ كتابه "الاستشرق" أول مرة، في جملة قصيرة: "عدا عن سوء نية سعيد، فإن جهله راعني". 

وقال لويس غاضبًا: "دراسات الشرق الأوسط في هذا البلد واقعة تحت هيمنة السعيديين (نسبة إلى سعيد). الوضع سيئ جدًا. السعيدية أصبحت عقيدة قومية تُفرض بقوة ليست معروفة في العالم الغربي منذ القرون الوسطى". هذا التفكير الجمعي، كما يقول، يلوث كل شيء: الوظائف، الترقيات، مراجعات الكتب، "فإذا عارضتَ العقيدة السعيدية السائدة، تجعل الحياة صعبة جدًا على نفسك".

في عام 2007، أنشأ لويس وبعض الباحثين الذين يشتركون معه في التفكير، مثل فؤاد عجمي من جامعة جونز هوبكنز، "جمعية دراسة الشرق الأوسط وأفريقيا". قال لويس إن الفكرة كانت إيجاد فضاء للآراء التي تسبح ضد التيار السائد لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "للحفاظ على نزاهة أكاديمية مستقلة" في هذه الدراسات.

بحسب لويس، فرض السعيديون ما بعد الحداثويين أسوأ أنواع العقائد الجامدة: "إذا لم تكن من الشرق الأوسط أو إذا لم تكن مسلمًا فانك بحكم ذلك عميل – شئت أم أبيت - للعدوان الإمبريالي وللشوفينية الغربية. الذين يشككون أو يرفضون بصائر السعيديين بشأن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ’يكونون مسيسين‘، بينما في الحقيقة من يشككون في البصائر السعيدية يمارسون بحثًا علميًا حقيقيًا".​