إيلاف من نيويورك: أن تكون دونالد ترمب يعني أن تصنع اسما لامعا في عالم رجال الأعمال، وفي صناعة الصفقات الناجحة، وتكوين ثروة مالية ضخمة، ثم تقرر دخول عالم السياسة وتحجز لنفسك مكانا في نادي رؤساء الولايات المتحدة مخالفا جميع التوقعات.

ترمب يعتبر ان اسمه كان دوما مقرونا بالنجاحات، ويتفاخر بقدرته على فكفكة العقد المستعصية. هو صاحب فن إدارة التفاوض، ولكن رغم كل هذه الهالة التي يحيط نفسه بها، لا يمكن إخفاء تجرعه واحدا من اكبر المقالب في تاريخه خلال الأيام الأولى لدخوله البيت الأبيض.

 ترك ترمب وحيدًا

جيف سيشنز وزير العدل الحالي، جعل الرئيس الأميركي يعض أصابعه ندما على تعيينه بعدما سقط أمام الهجوم الأول في آذار/مارس من العام الماضي، فسارع الى تحييد نفسه عن التحقيقات المرتبطة بالتدخل الروسي في الانتخابات، مسلما دفة الأمور الى نائبه رود روزنستاين، وتاركا رئيسه وحيدا يواجه عواصف مكتب التحقيقات الفدرالي، والمحقق الخاص روبرت مولر.

 رحلته نحو وزارة العدل

بعد عشرة أيام من انتصاره في الانتخابات الرئاسية الأميركية، اعلن ترمب في الثامن عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2016، عن ترشيح جيف سيشز لوزارة العدل، فخرجت على الأثر أصوات كثيرة تُعارض هذا الترشيح على خلفية اتهام مرشح ترمب بالتشدد والعنصرية ضد السود ابان عمله كمحام، ووصلت رسائل الى مجلس الشيوخ موقعة من آلاف أساتذة الحقوق في الجامعات تطالب برفض تعيينه.

ترمب خاض معركة تعيينه

في تلك الفترة، ظهر جليا ان الرئيس الأميركي سيذهب في اتجاه تثبيت تعيين سيشنز في منصبه ولو تطلب ذلك معركة في مجلس الشيوخ، فالرجل كان من أوائل المشرعين الجمهوريين (كان يشغل منصب سناتور ولاية الاباما) الذين اعلنوا دعم حملة ترمب الانتخابية، ويشاركه التطلعات السياسية نفسها.

وبالفعل خاص ترمب معركة سيشنز الذي تأخر تثبيت تعيينه بفعل جلسات الاستماع الماراتونية التي كانت تُعقد على وقع التظاهرات المنددة به، وفي نهاية المطاف حصل سناتور الاباما السابق على اثنين وخمسين صوتا، واعترض سبعة واربعون على تعيينه.

تخلى عن الرئيس

استلم وزير العدل منصبه الجديد، في الثامن عشر من فبراير 2017، ولم يكد يمضي شهر واحد على تسلمه المسؤولية حتى اعلن تحييد نفسه عن ملف التحقيقات الروسية والذي يعد الأكثر حساسية بالنسبة لدونالد ترمب.

ترمب المحبط

ومنذ ذلك الحين، لا يوفر ترمب مناسبة إلا ويوجه من خلالها انتقادات عنيفة الى سيشنز، وذكرت نيويورك تايمز ان الرئيس وبَّخه وطلب منه في مارس/آذار الماضي إعادة النظر في قراره، كما أبلغ مساعديه أنه يريد تعيين موالٍ له للإشراف على التحقيقات، كما اعلن صباح الأربعاء على حسابه على تويتر إنه يتمنى لو أنه اختار وزيراً للعدل غير وزير العدل الحالي جيف سيشنز وذلك في معرض تعليقه على تصريح للنائب الجمهوري تيري غودي، الذي قال، " كان على سيشنز اخبار ترمب انه سيحيّد نفسه عن التحقيقات قبل تعيينه لا بعده". 

وأضاف في سياق تعليقه على إمكانية ان يكون الرئيس يشعر بالإحباط "لو كنت أنا الرئيس، وعينت شخصاً ليكون ضابط إنفاذ القانون في البلاد، ثم قال لي إنه لن يتمكن من المشاركة في أهم قضية في المكتب، يجب أن أكون محبطاً أيضاً".

وفي خضم موجة الانتقادات الموجهة الى وزير العدل، أثيرت تساؤلات حول إمكانية طرد سيشنز من منصبه ليلحق بالمسؤولين الذين خرجوا من جنة الحكم، وقالت صحيفة واشنطن بوست ان شخصيات رفيعة المستوى في البيت الأبيض اكدت ان ترمب لن يطرد مولر.

ينتظر منه تقديم استقالته

وبلا ادنى شك فإن الرئيس الأميركي راغب في التخلص من وزير عدله، ونائبه من اجل تعيين شخص جديد واستعادة السيطرة على تحقيقات روبرت مولر الخاضعة حاليا لمتابعة رود روزنستاين المغرد خارج سرب الرئيس، ولكن مثل هذه الخطوة قد يكون لها تداعيات سياسية وخيمة، فإذا كان طرد جيمس كومي من منصبه كمدير لمكتب التحقيقات الفدرالي جعل المحقق الخاص يطلب مقابلة الرئيس وسط ربط القضية بعرقلة العدالة، فكيف ستكون الأمور بحال طرد سيشنز بعد كل ما حصل، ولذلك فإن ترمب ينتظر من سيشنز اما العودة عن تحييد نفسه، او تقديم استقالته والرحيل بصمت عن منصبه كي يتمكن من ترتيب أوراق وزارة العدل من جديد.