تقول ناهدة بركات إن اللغة العربية تكرس هوية شبحية للعرب والعالم العربي، والتسميتان تُستخدمان غطاءً شاملًا لنحو 380 مليونًا يعيشون في 22 بلدًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فتضع هوية العربي المحلية في سلة واحدة.

لندن: تناولت الصحافية الأسترالية ناهدة بركات تسمية "العالم العربي" في مقال نشرته في صحيفة غارديان البريطانية، أشارت فيه إلى أن استخدام هذه التسمية لتغطية حوادث المنطقة لا يعيق فهم قضاياها فحسب، بل يوقع السياسات الاستراتيجية في مطبات أيضًا. وقالت إنها من خلال خبرتها، لمست وجود 35 لهجة عربية محلية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 

هوية شبحية

لاحظت بركات أن أحد الأشخاص ذكر الإيرانيين خلال حديث معه قائلًا إنهم ناطقون بالعربية، وأوضحت له أن لغة إيران هي الفارسية. ولدى بي بي سي محرر "الشؤون العربية" وهي ليست الوحيدة في ذلك بل إن صحافيين "أمميين" يرتكبون هذا الخطأ، ويرتكبه سياسيون ومعلقون وأكاديميون أيضًا، كما ترى كاتبة المقال. 

بحسب بركات، هذه اللغة لا تفعل شيئًا سوى تكريس "هوية شبحية للعرب" و"العالم العربي"، معتبرة أن التسميتين تُستخدمان غطاءً شاملًا للسكان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يضع هوية العربي المحلية في سلة واحدة تمزج 22 بلدًا، عدد سكانها 381 مليون نسمة. 

تتابع أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تضم بلدانًا عديدة، لكل بلد منها لغته العامية الدارجة التي هي مؤشر واضح إلى جنسيته. فاللغة العربية في شمال أفريقيا تكاد تكون غير مفهومة لعرب المشرق مثل سكان لبنان، وتسمي الكاتبة اللجهة اللبنانية "فرو-عربية" بسبب استمرار التأثير الفرنسي، في حين أن لغة لبنان الأصلية هي الفينيقية أو الكنعانية التي كانت تُستخدم في المناطق الساحلية السورية. وتمضي الكاتبة قائلة إن لغة سورية الأصلية التي كانت ذات يوم تشترك بها مع العراق وإيران هي الآشورية. وكان المصريون يتكلمون القبطية. 

معقد وشائك

خلال مهمة في إسرائيل وفلسطين، تقول بركات إن لهجتها العربية كانت تحدد بوضوح أصولها من الفلسطينيين المحليين، وإن اللهجات تختلف اختلافًا واسعًا حين كانت في مصر وحتى أوسع لدى التعامل مع العراقيين والليبيين، ناهيكم عن الاختلافات الثقافية. تتذكر بركات أنها بوصفها استرالية - لبنانية عاشت في ليبيا طفلة ثم عملت في السعودية لقناة تلفزيونية أسترالية خلال حرب الخليج، فوجدت أن البلدين يختلفان بالكامل، وأن نمط حياتهما غريب عنها.

 

 

نوهت الكاتبة باهتمام البيولوجي اللبناني الدكتور بيير زلوعة بهذا الموضوع، فهو كرس الكثير من عمله لتفكيك التعريفات المضللة الحالية للهويات عمومًا. وتنقل عنه قوله: "إن الحمض النووي أقوى أداة استأصلت مفردة العرق واحتضنت مصطلح الأصل الاثني. فهي مفردة لا تعرّف أو تحدد الهوية أو الثقافة أو الاثنية، وتكشف عن قصص من ماضينا، لكنها لا تكشف من نحن حقًا". 

قالت الكاتبة إن زلوعة حذرها من أن "هذا موضوع معقد وشائك جدًا، ومشحون سياسيًا، وعلى المرء أن يكون شجاعًا لتناوله والتعامل بصدق مع الحقائق بلا تحامل". 

لكن، لا مفر من تلك العقلية المتمحورة إثنيًا التي تخلط البلدان والاثنيات والأديان والثقافات واللغات بالاشارة إلى المنطقة ليس على أنها العالم الناطق بالعربية وليس على أنها الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وإنما "العرب" و"العالم العربي"، في حين إننا لا نشير إلى اسكتلندا وإيرلندا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة على أنهم "إنكليز" أو "العالم الإنكليزي"، بل العالم الناطق بالإنكليزية، كما تلاحظ بركات.

نقي أو مختلط

تتحدث الكاتبة عن عالم الآثار والتاريخ روبرت هويلاند من جامعة نيويورك الذي أمضى وقتًا طويلًا في سورية واليمن قبل الحرب، ويمارس التدريس الآن في جامعة نيويورك في دبي. تنقل عنه أن أول اشارة إلى مفردة "عربي" كانت في عام 834 قبل الميلاد، وان "العرق كان موجودًا في سوريا جنوب تدمر وشمال السعودية، أي في الصحراء بينهما".

قبل أن يغزو عرب الجزيرة هذه المنطقة، كان فيها حضارات. وبدأ الزحف شمالًا، وبدأت الفتوحات في منتصف القرن السادس عبر الأراضي الفارسية والبيزنطية لينشر العرب الإسلام المتجذر في اللغة العربية، وليس لنشر عرقهم الاثني. 

بحسب الكاتبة، تعني كلمة العرب البدو الرحل برأي البعض، ويرى البعض الآخر أنها مشتقة من "النقي أو المختلط". ونشأت اللغة العربية عند القبائل البدوية في المناطق الصحراية من الجزيرة العربية. وجاءت اللغة من الكتابة الآرامية النبطية، وهي تستخدم منذ الحقبة الكلاسيكية في القرن الرابع وتنتمي إلى مجموعة اللغات السامية مثل العبرية والآرامية. 

بحلول القرن الثامن، بدأت اللغة العربية تنتشر في عموم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع دخول أقوام عديدة في الدين الاسلامي وابتدائهم الصلاة بالعربية. تقول إن هذا يوصلنا إلى أهم مكون في مفردة "عربي"، أي اللغة العربية، لا الشعب العربي. فأن يوصف كل من هو مسلم أو يتكلم العربية بأنه عربي غير صحيح، بحسبها،مؤكدة أن الهوية الدينية ليست إثنية.

ليست صحيحة

تقول الكاتبة إن الصراعات في هذه المناطق انتقلت من الجبهة القومية إلى الجبهة الدينية، الأمر الذي أدى إلى الخلط بين مفردتي العرب والمسلمين. لكن هذا كان في الأساس تصور الغرب، وتسمية العرب بوصفهم جماعة صوانية لا يمكن أن تُعد إلا تسمية تروج الخوف للتعبير عن "الحرب على الإرهاب". 

يشرح هويلاند أن مفردة العربي إشارة حديثة من القرن التاسع عشر استخدمت للانفصال عن الامبراطورية العثمانية والقومية التركية. بعد ذلك، كُرست المفردة مع تأسيس الجامعة العربية. يذهب هويلاند إلى أن مفردة العربي تتراجع شعبيتها في الشرق الأوسط بعد أفول العصر الذهبي للقومية والاسلام. يضيف: "المسألة ليست إذا كانت تسمية العربي صحيحة، وإنما إذا كانت مفيدة، وهي ليست صحيحة بمعنى أن كل من يعيش في هذه المنطقة عربي أو يريد أن يُشار اليه على أنه عربي". 

في ختام مقالتها، تدعو الكاتبة إلى التخلي عما تسميه "العضوية المجانية التي تضع الإثنية والهوية والثقافة والتاريخ في مواضعها الخطأ، واتخاذ هذه الخطوة لن يمضي شوطًا في منع الاستبعاد بحسب، بل يوفر سياقًا ونقطة انطلاق في إشاعة التفاهم، ويمكن حتى أن يمنع وقوع حوادث عنصرية وتمييز تجاه أي أحد أو أي شيء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يصادف أنه يتكلم إحدى اللهجات العربية".