الرباط: عرض بيدرو سانشيث، رئيس الوزراء الإسباني الجديد، على الملك فيليبي السادس ، قائمة أعضاء حكومته التي انتهى من تشكيلها مساء الأربعاء، لتكون جاهزة لتأدية القسم الدستوري أمام الملك في قصر "لاثارثويلا " في العاشرة صباحا، بالتوقيت المحلي من يوم غد الخميس، تنصرف بعد ذلك لمكاتبها لتدبير ما ينتظرها من ملفات عاجلة .

وحملت التشكيلة الحكومية سلسة مفاجآت تقبلتها الطبقة السياسية والوسط ألأعلامي بارتياح : فهي إلى جانب عدد أعضائها المحدود (17 وزيرا) احتلت الأغلبية فيها النساء( 12 وزيرة) سيؤول إليهن الإشراف على أهم القطاعات وخاصة الاقتصادية والاجتماعية وحتى الدفاع الوطني والعدل والمساواة بين الجنسين.

ويتميز الفريق الحكومي أيضا بتوجهه الأوروبي الواضح ، ما خلف ارتياحا في بروكسل ؛ فإلى جانب رئيس الدبلوماسية جوزب بوريل ، فإن المالية أسندت إلى سيدة كانت تشرف على مالية الاتحاد الأوروبي ، ما يعني أنها ملمة بآليات وتقنيات صنع الميزانية الأوروبية وكذا القيود التي يفرضها الاتحاد على الدول الأعضاء، بخصوص التحكم في معدل التضخم والسقف المسموح بها.

إلى جانب ذلك ، جرت تسمية لويس بلاناس وزيرا للفلاحة ، الذي عمل ممثلا لبلاده لدى الاتحاد الاوروبي في بروكسل، وبالتالي فهو مطلع على تفاصيل ملف السياسة الزراعية الأوروبية التي تنشب خلافات بسببها بين دول الاتحاد .

وأعاد سانشيث وزارتين إلى الهرم الحكومي هما وزارتا الثقافة والبحث العلمي ، ما يفسر ارتفاع عدد الوزراء إلى 17 بدل 15 في الحكومة السابقة .وفي استعادة المنصبين التفاتة إلى المثقفين ومجتمع البحث العلمي.

وأحيت الحكومة الجديدة الآمال في صفوف الحزب الاشتراكي العمالي ، فصار ينظر إلى المستقبل بآمال عريضة ويرى في الفريق الجديد علامات على الاستمرار إلى غاية موعد الانتخابات التشريعية عام 2020، وهذا ما عبر عنه بوضوح وتمناه رئيس الوزراء الأسبق ،الفريدو روبالكابا ، الذي صرح إن حكومة ،سانشيث، تحمل ما يكفي من الدلائل على أنها ستكون طويلة الأمد ، على الرغم من أن الحزب الاشتراكي لا يتوفرإلا على 84 نائبا في مجلس النواب الإسباني ودون هذا العدد في مجلس الشيوخ ، وبالتالي فإن الحكومة ستكون تحت رحمة الأحزاب التي صوتت لصالح ملتمس الرقابة الذي أطاح بحكومة الحزب الشعبي ورئيسه ماريانو راخوي .

وكان سانشيث اشترط على مؤيديه ، تشكيل حكومة ذات لون واحد لضمان الانسجام وضبط المسؤولية أمام المواطنين ،فإذا نجحت التجربة أمكن التقدم إلى الأمام ، غير أن سانشيث أعرب عن استعداده لإدخال مؤيديه من الأحزاب الأخرى إلى بعض الهيئات الدستورية التي لها عين على السياسات العامة .

ويريد رئيس الوزراء يكون حزبه مسؤولا وحده عن البرنامج الحكومي في حالة النجاح أو الفشل، دون تشويش من الأحزاب الأخرى ، علما أن الولاية الحكومية الحالية لن تكون سهلا ، ولكن رئيسها سيستغل كلما أمكن الثغرات القائمة في معسكر المعارضة من جهة وفي الصف المؤيد له .

وسار سانشيث على نفس نهج سلفه راخوي ، بخصوص اختيار نائبة له مثلما أسند وزارة الدفاع إلى سيدة.ويدل الاختيار على أن النساء سينلن اهتماما كبيرا في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي تسعى الحكومة إلى تطبيقه في أفق المساواة التامة على كافة الأصعدة.

ويستخلص من قراءة قائمة الوزراء أن النساء والرجال فيها من ذوي الخبرة والتجربة في القطاعات التي سيشرفون عليها ، بعضهم شارك في الحكومات الاشتراكية السابقة او كانوا على مسافة قريبة من الحكم الاشتراكي في السابق .

لكن الملمح البارز في حكومة سانشيث، أنها استوعبت مجمل الحساسيات الإقليمية والقومية ، ففيها ممثلون عن إقليم الباسك ، وكاتالونيا وكذا الأندلس وبلنسية ، وهي المناطق التي تصر على إبراز هويتها في مختلف المحطات والمناسبات السياسية .

وكدليل على ثقة سانشيث، في وزرائه ،اختار للداخلية قاضيا من إقليم الباسك ، أمضى فترة طويلة في سلك العدالة وعمل إلى جانب القاضي المشهور في المحكمة الوطنية، بالتسار غارثون ، بل خلفه في المنصب بعد عزل غارسون الشهير بأسلوبه الصارم في معالجة ملفات الإرهاب.

وتنتظر العواصم التي لها علاقات وثيقة مع مدريد مثل الأوروبية ودول اميركا اللاتينية ، الإعلان الرسمي عن التشكيلة ، لتعرب عن رأيها فيها.

وفي هذا الصدد ، فإن العاصمة المغربية ، لا بد وان تكون مرتاحة من الوزير الجديد للخارجية الذي يعتبر من مؤيدي التعاون الوثيق بين الرباط ومدريد . وازداد الارتياح بعد اختيار، بلاناس ، السفير الاسبق في الرباط ، لحقيبة الفلاحة التي يتبعها في إسبانيا قطاع الصيد البحري.

وعلى الرغم من أن مفاوضات الصيد البحري مع إسبانيا لا يتولاها وزير الفلاحة بل إن التفاوض من اختصاص المفوض الأوروبي المشرف على القطاع في بروكسل. لكن جرت العادة أن تمارس مدريد تأثيرا إن لم يكن ضغطا قويا على بروكسل لترضية مطالبها على اعتبار أن السفن الإسبانية هي المستفيدة من اتفاق الصيد مع المغرب.

والوزير الجديد للفلاحة ، هو من إقليم الأندلس حيث يوجد اكبر أسطول للصيادين ،يشكل مصدر عيش لآلاف الأسر .

والأهم ان بلاناس قضى فترة طويلة في الرباط ممثلا لبلاده ـ مكنته من معرفة المزاج والعقل السياسي المغربي ، وواجه خلال عمله أزمة سياسية بين البلدين استدعى المغرب على إثرها سفيره في مدريد بسببها، في حين أبقت الحكومة الاشتراكية على سفيرها في الرباط إلى أن عاد الوئام إلى علاقات البلدين.

يذكر أن قضايا ما زالت لعالقة بين الرباط ومدريد ، في طليعتها الزيارة التي كان من المفروض أن يقوم بها في وقت سابق ملك اسبانيا فيليبي السادس للمغرب ، إضافة إلى ملف الصيد البحري وأوجه تعاون أخرى دبلوماسية وأمنية.

ومن المتوقع أن تجري الحكومة الاشتراكية أول اتصال مع الخارج، خارج النطاق الأوروبي ، بحيث ستكون الزيارة الأولى لرئيس الدبلوماسية جوزب بوريل إلى الرباط ، يأتي بعده رئيس الحكومة، تمشيا مع تقليد سنه الاشتراكيون أنفسهم.

وسيجد المغرب في مواجهته قادة اشتراكيين يعرفهم ، لهم اطلاع على إشكالات التعاون بين البلدين الجارين ،كما أنهم ليسوا مقطوعين عن الاتصال بمن سكنوا في قصر "لا منكلوا" وخاصة في العهود الأخيرة، مع خوصي لويس ثباطيرو والفريدو روبالكابا ، والاثنان عرفا كيف يتجنبان ما يزعج جارهما المغربي الصعب في التنازل عن حقوقه .