وضعت الأزمة الاقتصادية ورفع أسعار المحروقات في الأردن والإضرابات والاحتجاجات الشعبية مجمل إقليم الشرق الأوسط، والدول الحليفة أمام تساؤل كبير عمّا يجري في المملكة الهاشمية التي ظلت صمام أمان على الدوام. 

 انطلقت شرارة الاحتجاجات التي رافقتها إضرابات عامة غير مسبوقة في الأردن، شارك فيها أكثر من نصف مليون مهني وعامل في قطاعات حيوية، على خلفية قانون معدل لقانون ضريبة الدخل تبعه قرارًا برفع أسعار المحروقات سارعت الحكومة للتراجع عنه بأمر من الملك عبدالله الثاني.

لقد تفجرت الأزمة وانتشرت كالنار في الهشيم خلال ساعات من الدعوة للإضرابات العامة، حيث هذه السرعة طرحت احتمال تدخل أطراف في الإقليم لزعزعة أمن الأردن الذي ظل صامدا أمام موجات الاحتجاجات وهزات "الربيع العربي" التي أطاحت أنظمة وغيرت موازين بين السلب والإيجاب في دول مثل مصر واليمن وليبيا وسوريا وتونس.

ومع كل هذه التساؤلات وردات الفعل التي صدرت من دول حليفة للأردن، كان استفتاء (إيلاف) في الأسبوع الماضي حول أسباب اندلاع الأزمة لـ"عوامل سياسية خارجية" أم أنها "أسباب اقتصادية داخلية" متلائما في نتائجه مع طرح الجوابين معا مع فارق تفوق "العامل الاقتصادي" عن الأسباب. 

من أصل مجموع الأصوات على الاستفتاء 1034، أجابت نسبة 66 %، أي (681) من الأصوات بأن السبب يكمن في العامل الاقتصادي الداخلي، أما ما نسبته 34 % وهي ما تشكل (353) من مجموع المشاركين قالت إن السبب هو "عامل خارجي". 

يذكر أن الأردن ظل على الدوم يواجه ضغوطات كثيرة، وهي تصاعدت في السنوات الأخيرة بفعل استقباله لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين والعبء المالي الناجم عن ذلك، لكن الضغط الكبر كان وما يزال من قروض صندوق النقد الدولي المشروطة التي تشكل أزمة متدحرجة أشبه بكرة الثلج، وقد أصبح الدين العام عبئا اقتصاديا قاسيا، والتعامل معه يشكل وصفة بالغة القسوة. 

فمع نهاية عام 2017 أصبح إجمالي الدين العام للأردن 27.2 مليار دينار أردني (38.3 مليار دولار)، وهو ما يعادل حوالي 95% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. وهذه المديونية العملاقة تعني بكل بساطة أن كل شخص موجود في الأردن مدين للخارج بأكثر من ثلاثة آلاف دولار، بما في ذلك الأطفال الرضع، ويتوجب عليه سداد فوائد هذا المبلغ لحين تأمين المبلغ ذاته وتسديده!

وكعامل داخلي، أصبح كالسوس الذي ينخر الجسد، هو أن الفساد المالي والإداري والسياسي يفاقم من هذه الأزمات في الأردن بطبيعة الحال، خاصة أزمة المديونية، وهذا يعني ألا غنى عن المطالبة بمكافحته والقضاء عليه وقهره، لكنه جزء من المشكلة وليس المشكلة بأكملها.

وإلى ذلك، فإن حكومة هاني الملقي المستقيلة بأمر ملكي كرد فعل على المطالب الشعبية باستقالتها كانت وجدت نفسها في مواجهة تيار شعبي عريض يرفض سياساتها الاقتصادية التي جاءت نتيجة اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وبدأت برفع أسعار الخبز مطلع العام الجاري، وزيادة أسعار المحروقات، وفرض ضرائب جديدة، ورفع الدعم عن سلع أساسية.