كشفت فرق الرصد البيئي التابعة لوزارة البيئة المصرية عن ظهور نادر للحوت الأزرق بمدينة "طابا" على خليج العقبة بالبحر الأحمر.

وقالت وزراة البيئة في بيان إنها المرة الأولى التي يتم فيها تسجيل ظهور الحوت الأزرق في مياه البحر الأحمر، إذ إن هذا الكائن البحري العملاق المهدد بالإنقراض غالبا ما يعيش في المياه العميقة للمحيطات.

واستطاعت فرق المحميات الطبيعية في جنوب سيناء رصد مسار الحوت الأزرق وتصويره وتتبعه حتى الخروج من خليج العقبة جنوباً باتجاه مياه البحر الأحمر وهو في طريقه حاليا إلى المحيط الهندي جنوبا.

دكتور أحمد غلاب مدير المحميات الطبيعية بالبحر الأحمر قال لبي بي سي إن الحوت الأزرق الذي تم رصده من فصيلة الحوت الأزرق القزمي "البريفكودا" والذي يصل طوله إلى 24 مترا بينما يصل طول النوع العادي من هذه الحيتان إلى أكثر من 30 مترا .

تحذيرات رسمية !

وأوضح غلاب أن فرق الرصد البيئي المصرية كانت تتحسب لظهور الحوت في المياه الإقليمية المصرية بعد أن رُصد في منطقة "إيلات" بإسرائيل وميناء "العقبة" الأردني، مشيرا إلى أن الحوت ظهر وحيدا ولم يكن ضمن مجموعة عائلية كالمعتاد، وبدا في حالة صحية طبيعية يسبح سطحيا للحصول على ما يحتاجه من أكسجين للتنفس.

غير أن المسؤول المصري وضع سيناريو لإحتمال نفوق الحوت إذا زادت فترة وجوده في المنطقة نظرا لعدم توفر الغذاء الرئيسي له، وهو نوع معين من القشريات يسمى "الكريل" غير متوفر بكميات كافية في هذه المنطقة.

نفوق أحد الحيتان الضخمة قرب سواحل الاسكندرية
BBC
نفوق أحد الحيتان الضخمة قرب سواحل الاسكندرية

وحذرت وزارة البيئة المصرية مرتادي الشواطئ في منطقة خليج العقبة وجنوب سيناء من الاقتراب من هذا الحيوان المائي الضخم الذي تقول التقارير العلمية إنه غير مفترس وغير ضار للإنسان، لكن فضول الغواصين والسائحين للتصوير معه ومحاولة إطعامه قد تتسبب في أضرار فادحة للأشخاص الذين يقومون بتلك الممارسات، وفق ما يقوله وائل رضا المتحدث باسم وزارة البيئة المصرية.

قصور الوعي البيئي

وأوضح رضا لبي بي سي أن هناك قصورا شديدا في الوعي البيئي لدى المصريين رغم وجود مئات الآلاف من الكيلومترات كسواحل على البحرين الأحمر والمتوسط ونهر النيل إلا أن المعلومات المتاحة لدى المصريين عن الأحياء المائية والحياة النباتية والطبيعية في هذه المناطق تكاد تكون منعدمة.

وقال المتحدث باسم وزارة البيئة إن المياه المصرية تضم نحو 44 نوعا من القروش البحرية، بعضها يصنف ضمن الأنواع الخطيرة مثل "القرش الأبيض" و "الحوت الأحدب" التي كانت ظهرت على شكل مجموعات في منطقة الجونة بالبحر الأحمر وشرم الشيخ، وظهر السياح في هذه المناطق في مقاطع مصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهم يحاولون إطعام أسمك القرش المفترسة هذه في مشهد عبثي على حد قوله.

وأشار المسؤول المصري إلى ظاهرة أخرى حدثت أوائل هذا العام وهي نفوق أحد الحيتان الرمادية الضخمة قرب سواحل مدينة الإسكندرية لأسباب أرجعها العلماء إلى شعوره بالتعب وعدم قدرته على مقاومة التيارات المائية في هذه المنطقة ما أدى إلى جنوحه صوب الشاطئ ومغادرة المياه العميقة في حوض البحر.

القرش الأبيض داخل متحف الأحياء البحرية بالإسكندرية - من الكائنات المهددة بالإنقراض
BBC
القرش الأبيض داخل متحف الأحياء البحرية بالإسكندرية - من الكائنات المهددة بالإنقراض

ويقول خبراء الأحياء البيئية إن الحوت الأزرق هو أضخم الحيوانات الموجودة على ظهر كوكب الأرض وهو حيوان ثديي يلد ويُرضع صغاره ويتنفس الأكسجين الجوي كالإنسان تماما، ويبلغ عجل الحوت الصغير لدى ولادته نحو طنين ويحتاج يوميا إلى ما يقارب 90 كيلوجراما من اللبن لتغذيته اليومية.

بينما يصل وزن الحوت الأزرق البالغ أكثر من 173 طنا ويتميز بخطم مدبب لا يحتوي على أسنان ولكن على مدببات شبكية تسهم في قدرة الحيوان على ابتلاع وتصفية كميات كبيرة من المياه للحصول على غذائه الرئيسي من القشريات ومجدافيات الأرجل الصغيرة والتي غالبا ما توجد في المناطق العميقة من البحار والمحيطات ويهاجر موسميا إلى المناطق الدافئة قرب خط الإستواء في موسم التزاوج وحضانة الصغار.

قناة السويس والخلل البيئي

ويقول دكتور هناء عاصم خبير التنوع البيولوجي والمصايد إن المعلومات السابقة دفعت مسؤولي البيئة حول العالم إلى توفير الحماية للحوت الأزرق بقرار دولي صدر في العام 2002 بسبب ما وصفه بالصيد الجائر لهذا الحيوان العملاق للاستفادة من لحومه وكمية الدهن والشحوم الضخمة التي يكتنزها في جسمه.

ويوضح خبير المصايد والأحياء المائية أن الحوت الأزرق في عملية هجرة مستمرة لأسباب ثلاثة بحثا عن الغذاء وللتكاثر في موسم التزاوج وطلبا للمناطق الباردة التي توجد فيها قشريات "الكريل" والكائنات الصغيرة التي يتغذي عليها بكميات ضخمة تصل إلى النصف طن يوميا.

وفي رده على بعض التساؤلات المطروحة عن حدوث "خلل بيئي" في منطقة البحرين الأحمر والمتوسط بسبب التفريعة الجديدة لقناة السويس التي دشنتها مصر قبل سنوات وتسببت في ظهور هذه الكائنات البحرية مثل "الحوت الأزرق" وأنواع القروش الأخرى في غير مناطقها الطبيعية، يقول خبير الأحياء البحرية هناء عاصم إن قناة السويس موجودة منذ أكثر من مائة عام والتوسعات الجديدة تقع شمال منطقة البحيرات المرة باتجاه البحر المتوسط وهي منطقة ضحلة لا يزيد عمقها عن 30 مترا وأقصى عمق لمياه خليج السويس - بصف عامة - لا يزيد على 80 مترا فقط.

متحف الأحياء البحرية بالإسكندرية يحتفظ بسجل لأنواع الحيتان المنتشرة في البحر المتوسط
BBC
متحف الأحياء البحرية بالإسكندرية يحتفظ بسجل لأنواع الحيتان المنتشرة في البحر المتوسط

وأوضح مدير متحف الأحياء البحرية في أبو قير بالإسكندرية أن هذه الظروف غير ملائمة "بيئيا" لوجود الحيتان الضخمة والتي تغوص إلى أعماق كبيرة قد تصل إلى ألفي متر تحت سطح البحر، لكن التغير الوحيد الذي حدث على مدى أكثر من مائة عام هي عمر قناة السويس هو تكاثر مجموعات من الأحياء البحرية الدقيقة "البلانكتون"، أو الأسماك الصغيرة والقشريات، وانتقالها إلى البحر المتوسط بعد أن كانت متوطنة في مياه الأحمر مرتفع الملوحة.

لكن هذه وجود الكائنات - والكلام مازال لمدير متحف الأحياء البحرية في الإسكندرية - لا يؤدي إلى خلل بيئي بل تؤدي إلى توفير الغذاء لبعض الكائنات الأخرى التي تعيش في هذه المنطقة.

تفسيرات علمية للظهور الأخير

ومن بين التفسيرات التي وضعها العلماء لظهور الحوت الأزرق النادر في مياه خليج العقبة بالبحر الأحمر، يرى أحدهل أنه قد يكون ضل طريقه أثناء محاولة الوصول إلى المناطق الباردة شمالا التي يهاجر إليها "صيفا" من المحيط الهندي بحثا عن البرودة وفي اتجاه التيارات المائية الطبيعي من الجنوب إلى الشمال، كما أن منطقة خليج العقبة تزخر بالعوالق والقشريات "مجدافية الأرجل" التي يتغذى عليها هذا الكائن البحري الضخم.

على أي حال، لم يثر الظهور النادر للحوت الأزرق في المياه الإقليمية المصرية ردود فعل ضخمة بالقدر الذي أحدثه هذا الحوت الأزرق في الواقع الافتراضي عبر منصات "التواصل الاجتماعي" مؤخرا حيث انتشرت بين المراهقين لعبة فيديو جيم تحمل إسم "الحوت الأزرق" عبر تطبيقات الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر تؤدي بمن يستخدمها إلى ما وصفه أطباء نفسيون باستلاب العقل والانقياد وراء تعليمات مسؤولي اللعبة قد تؤدي في النهاية إلى الانتحار أو إيذاء النفس والغير.

وتواصل فرق الرصد البيئي التابعة لوزارة البيئة المصرية انتشارها المكثف تحسبا لظهور المزيد من الحيتان الزرق ولرصد الانتشار الجديد لحيوانات "قنديل البحر" لموسم الصيف الحالي والتي تمثل تحديا كبيرا للسياحة الشاطئية وإجازات الصيف لدى المصريين بسبب لسعاتها المؤلمة.