أفشلت السياسات الحمائية الأميركية قمة السبع الصناعيين الكبار في كندا، ووضعت مستقبل العلاقات الأميركية – الأوروبية على المحك، علمًا أن الأوروبيين ومعهم كندا لا يترددون في تحويل المجموعة إلى مجموعة الست الكبار، باستبعاد الولايات المتحدة.

إيلاف من الرياض: لا شك في أن الفشل الذي منيت به قمة السبع الكبار الأخيرة في كندا هزّ العلاقات الأميركية – الأوروبية بشكل لم يسبق له مثيل. فهذه أول مرة تفشل فيها قمة الدول الصناعية السبع في إصدار بيان مشترك تختتم به أعمالها، وذلك بعدما امتنع الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن التوقيع على البيان.

في هذا الإطار، سألت "إيلاف" قراءها في استبيانها الأسبوعي: "في ضوء نتائج قمة الـ7 الكبار في كندا، هل ستنهار الشراكة الأميركية – الأوروبية؟". انقسم قراء "إيلاف" بشكل متواز بين مؤيد (585 صوتًا من 1184 مشاركًا بنسبة 49 في المئة) ومعارض (599 صوتًا بنسبة 51 في المئة). 

إن العجز الكبير والصادم، بحسب المراقبين، عن خروج الدول السبع بموقف موحد، هو باب جديد لانقسامات كبيرة تهدد هذه المجموعة في قضايا الإجراءات الحمائية والمناخ، ودليل على تصدع أعمق أحدثته سياسات ترمب الأخيرة، التي رأت فيها الدول الأخرى في المجموعة "تنصلًا من نظام دولي أرست دعائمه الولايات المتحدة نفسها مع شركائها الأوروبيين بعد الحرب العالمية الثانية". وهذا بان جليًا في الكلمات الختامية التي ألقاها قادة أوروبيون ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، والذين هددوا باتخاذ إجراءات عقابية ضد الصادرات الأميركية إلى أوروبا.

ست بدلًا من سبع
فاجأت نتائج هذه القمة العالم بتشدد ترمب في الضغط القاسي على حلفائه الأوروبيين، وبعدم تردده لحظة في إفشاء أسرار هذا التصدع للرأي العام العالمي، الأمر الذي أفادت منه موسكو.

لكن، يقول مراقبون إن نتائج القمة أثارت حفيظة الكرملين، لأن الإعلان المشترك لمجموعة السبع مبني على كراهية روسيا، ودعوتها إلى وقف التصرفات غير البناءة ونسف الأنظمة الديمقراطية ومساندة النظام في سوريا والتهديد بفرض عقوبات جديدة.

بعد القمة، أعلن ترمب الانسحاب من اتفاق باريس للتغير المناخي، ولم يستجب لحلفائه الأوروبيين بخصوص الاتفاق النووي الإيراني، ثم نقل السفارة الأميركية للقدس على الرغم من تحذيراتهم. وكان إصراره على فرض التعرفات الجمركية على منتوجات أوروبية القشة التي قصمت ظهر البعير بينه وبين الأوروبيين والكنديين. 

وأكدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن لا تفاوض مع أميركا في مسألة التجارة إلا بعد التراجع غير المشروط والدائم عن التعرفات التي فرضتها واشنطن. وغرّد ماكرون عبر "تويتر" عشية قمة السبع الكبار قائلًا إن دول المجموعة لا تمانع من أن تصبح "ست دول" بدلًا من "سبع".

وبحسب اقتصاديين، الأخطر من فرض التعرفات كان تبريرها القانوني. فإدارة ترمب استخدمت بندًا في أحد القوانين الأميركية نادرًا ما يستخدم، يسمح للرئيس الأميركي بفرض تعرفات جمركية لدرء التهديد للأمن القومي الأميركي. وقال ترودو: "هذا مهين وغير مقبول".

ترسيم جديد
في ضوء لك، ثمة ترسيم جديد للعلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا. فالأميركيون يرون اليوم أن دورهم الإقليمي مختلف عمّا كان عليه من قبل، فهم يريدون تحقيق الفوز في اللعبة العالمية، متخلين عن دور الوسيط السلمي.

إن الخلافات بين الجانبين الأميركي والأوروبي بشأن الاتفاق النووي والعقوبات الأميركية على الشركات الأجنبية التي تستمر في أنشطتها التجارية مع إيران أثرت سلبًا في هذه العلاقات. إلا أنها لم تأت من عدم، فثمة عوامل كانت بمثابة مقدمة، أولها عدم رؤية الولايات المتحدة أن التعددية مكسبًا بالنسية إليها، فواشنطن لم تضع الاتفاقات متعددة الأطراف ضمن أولوياتها في القوانين الوطنية.

إضافة إلى ذلك، الولايات المتحدة لا تغادر فرصة من دون التعبير عن انزعاجها من تحملها عبئًا ماليًا هو الأكبر في حلف شمال الأطلسي، أي الحلف الذي يحمي أوروبا.

ولا ينسى المراقبون الإشارة إلى أن ابتعاد الولايات المتحدة عن أوروبا ليس جديدًا، بل بدأ في ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الثانية، من منطلق أنه يجب ألا تبقى مشكلة الاتحاد الأوروبي أساس تركيز السياسة الخارجية الأميركية، فثمة مناطق أخرى لها الأولوية أيضًا.​