الرباط: جاء الحكم صادما للبعض فيما كان متوقعا بالنسبة لآخرين، بين هذين المتناقضين تأرجحت مشاعر المغاربة الذين تلقوا مساء أمس الثلاثاء، الأحكام الثقيلة التي أصدرتها المحكمة في حق معتقلي حراك الريف شمال المغرب.

وقضت محكمة الاستئناف بمدينة الدار البيضاء في حق القائد الميداني لحراك الريف، ناصر الزفزافي، بالسجن 20 عامًا، بالإضافة إلى إدانة زملائه نبيل احمجيق، وسمير ايغيد، ووسيم البوستاتي، بنفس العقوبة. 

كما قضت المحكمة في حق 50 معتقلا آخر، بأحكام تراوحت مدتها ما بين سنتين و15 سنة، الأمر الذي أثار موجة من الردود الغاضبة، حيث خرج العشرات من نشطاء حراك الريف بمدينة الحسيمة المغربية (شمال)، في وقت متأخر الثلاثاء، للاحتجاج رفضا لأحكام القضاء في حق معتقلي الحراك.

ودعا نشطاء حقوقيون ومدنيون إلى تنظيم وقفة احتجاجية مساء اليوم الأربعاء، أمام مبنى البرلمان بالعاصمة الرباط، للتنديد بالأحكام الصادرة في حق معتقلي حراك الريف، والمطالبة بإطلاق سراحهم وتلبية مطالب الساكنة التي يعتبرونها عادلة ومشروعة.

وفي أولى الردود، عبرت جماعة العدل والإحسان الاسلامية شبه المحظورة، في بيان للهيئة الحقوقية التابعة لها، عن استيائها من الأحكام في حق معتقلي حراك الريف ووصفتها ب"القاسية".

ودعت أكبر جماعة إسلامية معارضة في البلاد، في بيان تلقت "إيلاف المغرب" نسخة منه، لإطلاق سراح المعتقلين، حيث قالت: "ندعو الجهات المعنية في بلدنا العزيز إلى قرار شجاع يقضي بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم معتقلو حراك الريف، مع جبر الضرر ورد الاعتبار"، وذلك في رسالة رفض واضحة للأحكام الصادرة في حق معتقلي حراك الريف.

وفي تعليق على الأحكام، قال أحمد الهايج، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن "الاستياء عام عند جميع الحقوقيين من الأحكام الجائرة والمجحفة"، معتبرا أنها "تبدد الأمل الذي كان عندنا بأننا قطعنا مع مرحلة ودخلنا مرحلة أخرى تحترم فيها الحقوق والحريات".

وأضاف الهايج في اتصال مع "إيلاف المغرب" أن أحكام القضاء الصادرة في حق نشطاء حراك الريف تؤكد أنه "محكوم علينا أن نصمت ونستكين وأن نقبل الواقع كما يفرض علينا"، مشددا على أنها رسالة تفيد بأن لا سبيل للحق في "الاحتجاج والتعبير عن الرأي أو انتقاد سياسات الدولة أو التعبير عن كل طموحاتنا وتطلعاتنا". 

وأضاف الهايج موضحا في الاتصال ذاته، أن الأحكام تمثل "إشارة قوية إلى أن المغرب لم يفارق محطة الانتقال التي أعلن على أنه دخل فيها"، لافتا إلى أن البلاد "تراوح مكانها إن لم يكن بشكل أسوء" ،مقرا بفشل الرهان على القطع مع الماضي بعد إقرار هيئة الإنصاف والمصالحة سنة واعتماد دستور جديد، حيث قال: "ليس هناك الفرق بين الأمس واليوم ومنطق محاكمات الماضي مستمر".

وسجل الهايج بأن المغرب خسر الرهان على وجود قضاء "نزيه ومستقبل وكفء قادر على إعادة التوازن للعلاقة المتوترة بين الدولة والمواطنين".

وتابع قائلا: "هذا الرهان يبدو أننا قد خسرناه والأحكام الصادرة دليل قوي على ذلك"... معتبرًا أنه "لا يمكن أن نصدق بأن نشطاء أمضوا شهورًا في الشارع يتظاهرون بشكل سلمي، تحولوا بين عشية وضحاها إلى مجرمين يهددون الأمن الداخلي للبلد ويمسون بوحدته الترابية".

وأفاد الهايج بأن "ملف معتقلي حراك الريف كان يقتضي أن يطوى وتوجد له مخارج سياسية كما كانت مداخلة سياسية"، حسب تعبيره.

يذكر أن الاحتجاجات التي تشهدها مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف (شمال)، للمطالبة بتنمية المنطقة وإنهاء التهميش ومحاربة الفساد، تفجرت أواخر شهر أكتوبر 2016، بعد وفاة بائع السمك محسن فكري، الذي قضى طحنا داخل شاحنة لتدوير النفايات، في حادث مأساوي هز البلاد.

وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد أعفى نهاية أكتوبر الماضي أربعة وزراء من مناصبهم، بعدما أثبت تقرير للمجلس الأعلى للحسابات اختلالات في تنفيذ برنامج "الحسيمة منارة المتوسط" الذي يستهدف تنمية المنطقة، في حدث اعتبر بمثابة زلزال سياسي عصف بالحكومة والساحة السياسية بالبلاد.