الرباط : تعزيــزاً للإشــعاع العلمــي ومناقشــة الأفــكار والحــوار بيــن الثقافــات والبحــث رفيــع المســتوى، تــم إطـلاق سلســلة محاضرات "كوليــج دو فرانــس" بالمغــرب، بـ"أكاديميــة المملكــة المغربيــة"، بالتعــاون مــع المعهــد الفرنســي بالمغــرب.

وتشهد هــذه السلســلة من المحاضرات، التي تم اختيــار موضــوع الحداثــة ســؤالاً رابطــاً بيــن لقــاءاتها، والتي تترجم الشــراكة القائمــة بيــن "أكاديميــة المملكــة المغربيــة" و"كوليــج دو فرانــس"، التئــام أســاتذة وباحثيــن ينتمــون لـ"كوليــج دو فرانــس" مــن خلفيــات وتخصصــات مختلفــة.

وحسب عبد الجليل الحجمري، أمين السر الدائم للأكاديمية، فانه "فــي جميــع المجتمعــات تقريباً، ووفــق إيقاعــات مختلفــة، نشــهد تحـرر الفـرد مـن نظـام الطبيعـة والمجتمـع والـذي اعتبـر لمـدة طويلـة لا ملموسـا. ونـرى فـي جميـع سـجالات الوجـود ظهـور أنظمـة مفتوحـة تقـوم علـى حريـة الإنسـان. إنهـا الديمقراطيـة فـي المجـال السياسـي، والســوق علــى المســتوى الاقتصــادي، والعلــوم والابتــكار فــي مجــال المعرفــة والتقنيــات، والإبــداع الحــر فــي الترتيــب الجمالــي. إن عمليــة التحديــث هــذه، التــي يصاحبهــا تحلــل الأوامــر التقليديــة، المبنيــة علــى أســاس أولويــة الجماعــة، تتمخــض عنهــا، إن لــم يكــن نزاعــات عنيفــة، علــى الأقــل مناقشــات حــادة".

وأبرز الحجمري أن "الهــدف مــن هــذه السلســلة مــن المحاضــرات هــو البحــث، مــع أســاتذة "كوليــج دو فرانــس"، حالــة عمليــات التحديــث فــي مختلــف أوجــه المجتمـع وكذلـك فـي مختلـف المجـالات الثقافيـة".

ويتوزع برنامج السلسلة بين محاضــرات مفتوحــة، وحلقــات دراســية مقــررة فــي اليــوم التالــي للباحثيــن الجامعييــن وطـلاب الدكتــوراه بالجامعــات المغربيــة متاحــة بشــرط التســجيل المســبق.

وفي هذا الإطار، ألقت الأســتاذة آن شــينغ، عضــو "كوليــج دو فرانــس" بباريــس، الأربعاء، المحاضــرة الأولــى، تحــت عنــوان "بيــن الاستشــراق والحداثــة: الصيـن، مـرآة عاكسـة أو مخالفـة لأوروبـا؟"، بمقر "أكاديميـة المملكـة المغربيـة"، بالرباط.

وسعت آن شينغ، في محاضرتها إلــى تتبــع عمليــات النــزوح المتتاليــة لموضــوع "الصيـن" علـى رقعـة الشـطرنج الخاصـة بالجغرافيـة الفكريـة الأوروبيـة وصعوباتـه، ليتـم تشـكيله كموضـوع يتأثـر بحداثتـه الخاصـة.

واشارت المحاضرة الى انه مـن النهـج الاستشـراقي فـي الصيـن، نتذكـر، بشـكل عـام، أسـطورة "الصيــن الفلســفية" الــذي أسســت لهــا وســاطة المرســلين اليســوعيين، والتــي تمــت إشــاعتها فــي القرنيــن الســابع عشــر والثامــن عشــر مــن قبــل "فلاســفة" أوروبييــن مــن عصــر الأنــوار، مثــل فولتيــر وليبنيتــز. فالأســطورة، التــي حــل محلهــا، منــذ منتصــف القــرن الثامــن عشــر، "الاســتبداد الشــرقي" الــذي أدخلــه مونتســكيو وعززتــه الثــورة الفرنســية والتــي أرســت التحــول الكامــل مــن "ســينومانيا" إلــى "ســينوپهوبيا"، تأصلــت طيلــة القــرن التاســع عشــر.

وعقـب ذلـك، يتـم نبـذ "الصيـن الفلسـفية" من "الفلسـفة" التـي عرفها هيغــل حديثــا كــ"الصفــة الشــخصية الحصريــة لأوروبــا". وفــي الوقــت نفســه، تتمتــع الثقافــة الجرمانيــة فــي القــرن التاســع عشــر بافتتــان رومانسـي بالهنـد والسنسـكريتية، التـي سـرعان مـا يتـم تحديدهـا كمصـدر للغـات الأوروبيـة، ممـا يـؤدي إلـى دفـع الصيـن أكثـر فأكثـر إلـى الآخـر ولغتهـا غيـر المعربـة بحـزم خـارج أي عقلانيـة فلسـفية. ومـع ذلـك، مـن الواضـح أن أسـطورة الصيـن باعتبارهـا راديكاليـة أخـرى لأوروبـا لا تـزال موجـودة اليـوم، ليـس فقـط فـي العديـد مـن الخطابـات الاستشـراقية، ولكـن أيضـاً فـي الإيديولوجيـة الرسـمية للصيـن اليـوم.

يشار إلى أن آن شينغ، المولودة فـي بكيـن مـن أبويـن صينييــن، والطالبــة الســابقة بالمدرســة العليــا للأســاتذة، معروفة بأبحاثهــا وإلقــاء الــدروس لمــدة تقارب 40 عامـا بالمركــز الوطنــي للبحــث العلمـي، وعقـب ذلـك بــالمعهد الوطنـي للغـات والحضــارات الشــرقية، والمعهــد الجامعــي لفرنســا. وهــي، حاليــا، حاصلــة علــى شــهادة كرســي تاريــخ الصيــن الفكــري المعاصـر فـي "كوليـج دو فرانـس"، إلـى جانـب اهتمامهـا بتاريـخ الأفـكار، خاصــة الكونفوشيوســية، فــي الصيــن وفــي الثقافــات المجــاورة.

ومـن بيـن منشـوراتها العديـدة، فـي هـذا المجـال، ترجمـة لـ"محادثـات كونفوشـيوس" و"تاريـخ الفكـر الصيني". ومنذ 2010، تشارك آن شينغ في "بيل ليتر"، وفـي إدارة المجموعـة ثنائيــة اللغــة "المكتبــة الصينيــة" التــي تكــون مــا يناهــز ثلاثيــن مجلــدًا منشــوراً إلــى اليــوم.