الرباط: يمتد عملهم لنحو 12 ساعة متواصلة بشكل يومي، وذلك في غياب أبسط الظروف الملائمة من قبيل توفر الحد الأدنى للأجور، والتأمين على الأخطار، والتعويضات، إضافة إلى شروط السلامة.

غالبا ما نصادفهم في ركن ما من الأزقة، والشوارع، وبعض الأحياء الشعبية، فمهمتهم الأساسية تتمثل في حماية المواطنين والممتلكات الخاصة، كالمحلات التجارية، والدكاكين والسيارات، مما يفرض عليهم أن يقضوا ليال بيضاء، وهو الأمر الذي لا يخلو من مشاكل وحوادث تواجههم أثناء العمل ليلا.

عمل متواصل وحوادث

اضطر احمد كرم، 46 سنة إلى مزاولة مهنة الحراسة الليلية بقيسارية الذهب بسلا منذ أربع سنوات، وذلك عقب تسريحه من عمله رفقة أشخاص آخرين في إحدى الشركات بعد إعلان إفلاسها.

لم يجد بدا من امتهانها رغم الأجر الهزيل الذي يتقاضاه، خاصة أنه رجل متزوج وله أبناء، الشيء الذي يفرض عليه مصاريف كثيرة لا تعد ولا تحصى. 

يقول احمد بحرقة شديدة"أتقاضى حوالي 2150 درهما شهريا ( حوالي 215 دولار)، وهو أجر جد ضئيل، كما أن المشكل الذي يواجهني كوني لا أحصل عنه كاملا، فإلى حدود منتصف الشهر الحالي ما زال هناك بعض أصحاب المحلات الذين لم يعطوني بقية المرتب".

تبدو علامات الأسى والامتعاض بشكل جلي على محيا احمد، وهو يسترسل في سرد المعاناة التي يكابدها ممتهنو الحراسة الليلية بالمغرب، والتي تتجاوز الجانب المادي لتصل إلى حدود المشاكل والحوادث التي يصادفونها كل ليلة من طرف منحرفين، وسكيرين والمدمنين على المخدرات وحبوب الهلوسة، حيث يجدون أنفسهم مضطرين للتعامل معهم بشكل لبق، تفاديا لحصول أي رد فعل غير محمود العواقب من طرفهم، بالنظر للحالة غير السوية والعدوانية التي يظهرونها في تعاملهم.

يصمت احمد لبرهة حينما يمر شباب بدراجاتهم النارية بشكل مفاجئ ومسرع، يكسر هدوء المكان الذي يحرسه، قبل أن يستطرد قائلا " هذا جزء من الفوضى التي نعايشها يوميا، علاوة على تهجم البعض علينا بالسب والشتم فقط لأننا نقوم بعملنا، آخرها ما حدث بالأمس، حينما قام أحدهم بالتطاول علي، فقط لأن نباح الكلب الذي أستعين به في الحراسة يزعجه".

غياب الأدوات الدفاعية

يعد الكلب الوسيلة الوحيدة التي ترافقه في عمله، في غياب وجود أدوات دفاعية تمكنه من استخدامها عند الضرورة،"عملنا يمتد كذلك لحراسة المواطنين في الصباح الباكر، حيث تمر بمحاذاتنا نساء متجهات لعملهن، وهو الشيء الذي نقوم به عن طيب خاطر بشكل إنساني، ومن ثم فوجود كلب الحراسة معي أمر لا محيد عنه، وهو ما لا يستوعبه البعض".

وحول أخطر الحوادث التي تعرض لها ليلا أثناء عمله، يتذكر أحمد ما حصل له قبل مدة قصيرة في حادثة كادت أن تودي بحياته لولا لطف الأقدار الإلهية، يشرح بأسف شديد شارحا تفاصيل الليلة التي لم يقو على نسيان وقائعها"كنت جالسا كالمعتاد رفقة زميل لي نتجاذب أطراف الحديث، وإذا بنا نفاجأ بسيارة أجرة متجهة بسرعة مفرطة نحونا، هرولنا دون شعور، ليكسر جانب من باب المحل الذي كنا واقفين بمحاذاته".

وعن علاقة الحارس الليلي بأصحاب المحلات التي يحرسها قال احمد انها إيجابية وإنسانية لأبعد الحدود، وذلك بالنظر لوجود أشخاص يحاولون مساعدته بقدر مالي معين، خاصة في الأعياد والمناسبات الدينية.

"الهراوة" أداتي.. و"القهوة" أنيسي

يتسلح محمد الشويرف، 76 سنة، بهراوة كأداة دفاعية تساعده على أداء عمله ليلا. هو الذي يمارس هذه المهنة زهاء 20 سنة من دون كلل أو تذمر، حيث يبدأ عمله من الساعة الثامنة ليلا إلى حدود الثامنة من صبيحة اليوم الموالي.

يبدو محمد راضيا عن المهمة التي يؤديها، رغم ما اعتبره الظروف القاهرة التي دفعته لاتخاذها كعمل قار، يواجه به مصاريف الحياة، خاصة أنه غير متزوج وليس لديه أبناء يثقلون كاهله بالمصاريف المتزايدة.

في غياب مكان قار للحراسة يقيه من البرد ليلا، يتخذ محمد لنفسه محمية خاصة مكونة من علبة كارتون قام بنصبها، والجلوس وسطها، حيث يضع قنينة غاز من الحجم الصغير، وعلبة سكر، وفنجانا صغيرا ، و إبريقا للقهوة، يستعين به لكي لا يغالبه النوم ليلا، علاوة على مذياع صغير يؤنسه في وحدته.

يحكي بصدر رحب ووجه بشوش قصته مع الحراسة الليلية ، ويقول "لا يوجد مبلغ مالي معين أتقاضاه من طرف أصحاب المحلات، كل حسب مقدرته، و يبلغ مجموع راتبي الشهري حوالي 1400 درهم (140 دولارا)، مهنتنا تفرض علينا سعة الصدر والصبر، وإذا ما باغتنا شخص ما بهدف الاعتداء علينا، نتصل مباشرة بالشرطة، بحيث لا يحق لنا التدخل ضده، وإلا صرنا في موقف صعب".

مهنة غير قابلة للتنظيم

لا يوجد إطار قانوني لمهنة الحراس الليليين بالمغرب، بالمقابل هناك قانون يحدد عمل الشركات الخاصة بالحراسة، و العاملين بها ينضوون تحت إطار قانون الشغل، و تكمن الصعوبة في وضع تأطير قانوني للحراس الليليين وفق محمد كروط، محام بهيئة الرباط لكون عملهم يتم بشكل شفوي، فلو تعلق الأمر بمشغل واحد، لسهلت المسألة، لكن الحارس الواحد يشتغل لفائدة 20 أو 30 شخصا، بل لصالح زقاق بأكمله.

يقول المحامي"إذا دخلنا في مسألة تنظيم المهنة وتقنينها، فمن الضروري وجود شكليات وأساسيات تهم تحرير العقود وجمع التوقيعات من لدن الناس، الذين سيتراجعون لا محالة، لكي لا يغرقوا في المشاكل".

تطرح مهنة الحراس الليليين بالمغرب مشاكل عدة في هذا السياق، فحارس السيارات على سبيل المثال إذا ما تم الاعتداء عليه أو سرقة إحدى السيارات على الرصيف، سيصبح معرضا للمساءلة.

ويعتقد المحامي كروط ان مهنة الحراس الليليين في طريقها للاندثار، على اعتبار أن البنية العمرانية العصرية وكثرة العمارات السكنية تعجل بانقراضها سريعا.

من ضمن الشروط الأساسية للعمل لدى الحارس الليلي، توفير كاميرا، وأن يوجد في مكان يقيه قساوة البرد وشدة الحر، علاوة على وجود اتصال مباشر مع الشرطة، إضافة إلى تجهيزات أخرى، و وجود حارسين أو ثلاثة حراس يتناوبون على العمل.

ويضيف المحامي كروط قائلا "إن ما يزيد من التعقيدات، هو أن المجتمع يرفض هؤلاء الناس، إذا ما ذكرنا أن البعض منهم يكون من ذوي السوابق العدلية، وبالتالي من الصعوبة أن يتم إدماجه بشكل سلس، فلا يجد بدا من ممارسة هاته المهنة، هناك كذلك متقاعدون، وأناس أميون، وأناس خرجوا من ردهات السجن، يقومون بممارستها بشكل مؤقت. اجتماعيا، هناك فئة من الناس تنظر إليهم كمتلصصين على أخبار السكان، ويبخسون مهنتهم ".