إيلاف من أصيلة: شهدت فعاليات الدورة الأربعين لموسم أصيلة الثقافي مساء يوم الاربعاء الحادي عشر من شهر تموز- يوليو الجاري، ندوة موسعة لمناقشة وتحليل أبعاد موضوع المواطنة في الميثاق الوطني البحريني الذي عُدّ مرتكزاً للدستور ووثيقة تضمنت مبادئ عامة ورئيسة للنهوض بمملكة البحرين ومأسسة الدولة وتحديث سلطاتها، وتم التصويت عليه من عامة الشعب البحريني ونال نسبة من الموافقة على فقراته وصلت الى 98%، بعد أن شارك في الاستفتاء عليه نحو 93% من البحرينيين في شهر شباط فبراير 2001، تلاه اقرار الدستور عام 2002 لتصبح البحرين أول مملكة دستورية في العالم العربي قبل أن تصلها رياح الطائفية والفوضى التي أصابت عدداً من الدول العربية عام 2011 ولما تزل تلك الدول تئن تحتها باستثناء البحرين والمغرب اللتين حمتهما مؤسساتهما الدستورية من بلوغ الفوضى قمتها.

وشارك في الندوة خبراء وإعلاميون عرضوا المكتسبات التي نالتها مملكة البحرين من الميثاق الوطني مركزين على المواطنة التي كانت لها مساحة أوسع في الميثاق.

من جهته تحدث أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة وزير الخارجية والثقافة السابق السيد محمد بن عيسى، بكلمة ترحيبية عن المشاركات البحرينية في كل فعاليات منتدى أصيلة، مبيناً الغاية من تخصيص هذه الندوة للتأمل في "المواطنة في الميثاق الوطني البحريني" التي أوضح أن له أكثر من مبرر، بالنظر للمتغيرات الحاصلة في أرجاء من الوطن العربي.

وأشار إلى أن "الميثاق كان إرهاصاً واستباقاً لما سيأتي، ودليلاً على فكر متفتح أنتج وثيقة مرجعية، وضعت الأسس المتينة للاستقرار في دولة يتعايش فيها المواطنات والمواطنون وفق القانون وحقوق الانسان".

وأشاد الوزير بن عيسى بالميثاق الوطني البحريني الذي وجد فيه بداية "عهد جديد اتسم بتحديث المفاهيم والممارسات السياسية، واعتماد منهجية متطورة للحكم، أساسها مقومات المواطنة وإشراك فئات شعب البحرين من خلال المؤسسات التمثيلية وثبيت الحريات العامة وضمان الحق في الاختلاف".

بدوره نوه رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة، بالحيز الذي شملته المواطنة في الميثاق الوطني البحريني ورأى أن قرار الميثاق كان حدثاً فاصلاً وجوهرياً في مملكة البحرين والمنطقة إذ يكفل حرية المواطن ويؤسس لحياة دستورية كاملة.

وأضاف أن "إقرار الميثاق من النسبة الأكبر من البحريين بمختلف فئاتهم كان أساس إعلان المملكة الدستورية في البحرين وشكل بداية لانطلاق مؤسسات المجتمع المدني ودعم مشاركة المرأة في الحياة العامة في مملكة البحرين وتقلدها أعلى المناصب ومشاركتها في الحياة النيابية في البلاد، ووجد الشيخ آل خليفة أن إقرار الميثاق ساهم في نجاح البحرين في التغلب على صعد عدة، فرغم التحديات الاقتصادية تمكنت البحرين من وضع خطة 2030 التنموية والشاملة مختلف القطاعات، وواصلت البحرين مع الشركاء جهود مكافحة الارهاب في المنطقة".

وخلص الى أن ميثاق العمل الوطني بشّر بنهضة مستدامة في البحرين حيث تصان الحقوق والحريات بما يناسب تاريخ وحضارة البحرين.

مستشار العاهل البحريني لشؤون الاعلام نبيل الحمر الذي كان أحد أعضاء لجنة صياغة الميثاق الوطني قال إن الملك أصر على مشاركة الشعب في هذا القرار التاريخي بطرح الميثاق للاستفتاء الشعبي العام.

ورأى أن "مبدأ المواطنة يعتمد على التوافق بين مكونات الشعب والدولة بما يحفز المواطن على الحرص على بلاده والعمل على استقلالية قرارها.

وأضاف الحمر أن "الميثاق عمل على تمتين الوحدة الوطنية وعدم الغاء خصوصيات المواطنين" وبيّن أن "عمل لجنة صياغة الميثاق ورؤية الملك جعلا المواطن ينظر بعين الاعجاب والتأييد. فكان يوم الاستفتاء حدثاً تاريخيا في مملكة البحرين والمنطقة. فقد تكونت الجمعيات السياسية التي هي أقرب للأحزاب السياسية وتكونت منظمات المجتمع المدني والنقابات وحققت مملكة البحرين انجازات في مجال حقوق الانسان فتحت".

ورأت المبعوث الخاص للديوان الملكي سميرة ابراهيم بن رجب، أن مشروع الميثاق لم يكن سياسياً بقدر ما كان نهضوياً. واستعرضت المنجزات التي حققها الميثاق ولم تشهدها البحرين في تأريخها من حياة دستورية وبنى تحتية ونهضة اقتصادية واجتماعية. مشيرة إلى أن الملك أطلق مشروع الميثاق في السنة الثانية من توليه منصبه.

وأكدت على أن "من سوء حظ المواطن العربي عدم تنظيم ميثاق المواطن منذ مرحلة الاستعمار. ولم تعمل الدول العربية، بقصد أو بدون قصد، على اعتبار المواطن العربي رأس المال لها ليكون سداً يحمي من التدخلات الخارجية واختراق مرحلة التطورات الداخلية".

واشارت بن رجب إلى أن " 15 عاماً من عمر الدستور شهدت مؤسسات مرموقة في مقدمتها الحكمة الدستورية"، وأشادت "بما حصلت عليه المرأة البحرينية متحدية كثير من الدول، فمارست حقها جانب الرجل في كل المناصب وشاركته في مختلف جوانب الحياة".

وشددت على عدم نجاح أي مشروع في أي دولة دون المواطن الرشيد. واعتبرت أن عامل الوقت مهم في تطبيق بنود الميثاق الوطني فـ"لا يجب القفز على المراحل، بل مواصلة الاصلاحات وجعل المواطن رأس المال الوطني والقومي"، داعية المواطن الى أن يعي أن مسؤولية الدولة ومفهوم الدولة قد تغيرا في القرن الواحد العشرين".

من جانبه طرح استاذ الحياة السياسية والعلاقات الدولية في جامعة القاضي عياض في مراكش إدريس لكريني، عدة ملاحظات حول مشروع الميثاق الوطني في البحرين التي رأى ان "مقدمات الاصلاح فيها ليست حديثة، بل بدأت قبل ذلك بكثير، وجعلتها الاصلاحات رائدة في المنطقة وفتحت البحرين صفحة سياسية بالسماح بعودة المعارضين من الخارج، وان الميثاق الوطني لقي تجاوباً من قبل شريحة واسعة من المجتمع البحريني، وسلط الميثاق الضوء على الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامن وحقوق المواطن. وتم اعتبار عددا من بنود الميثاق فقرات دستورية".

وأضاف أن "المواطنة في الميثاق هي أساس الممارسة، وهي ليست اكتساب الجنسية فقط. وقد جاء الميثاق بمجموعة من المستجدات داخل البحرين فقد سعى الى دعم الحريات الشخصية والمساواة بين المواطنين ودعم حرية المعتقد والتأكيد على أن العدل والمساواة وتساوي الفرص للمواطن تكفلها الدولة كما تكفل حرية العقيدة ومنح مساحة وحرية واسعة لمنظمات المجتمع المدني". 

وتطرق لكريني الى أحداث عام 2011 حيث رأى أن "الخروج الى الشارع لم يكن أمراً غريباً. لهذا كان تدبير هذا الحراك بهدوء، وتحويل الأزمة الى فرصة كما هو الحال في المغرب. وتم التعاطي مع أطراف المعارضة في ذلك".

وخلص الى أن الميثاق والدستور شكلا حصناً للبلاد تجاه أي ازمات وساهما بتفويت الفرصة على القوى الخارجية من تخلايب ما تحقق".

بدورها تناولت الكاتبة والاعلامية البحرينية سوسن الشاعر تناولت الميثاق كنصٍّ وحق المواطن فيه، واشارت الى أن حق الممارسة الدستورية كانت دولة الكويت تتمتع به بين دولة منطقة الخليج فقط.

وانتقدت الشاعر اختلافات وصراعات الاحزاب البحرينية فـ"أول حزب في البلاد كان حزباً شيعياً اختلف الشيعة تجاهه بين مرجعيتين أحداهما تقلد خامنئي في إيران والاخرى تقلد الشيرازي في العراق وهو إيراني أيضاً. ثم جاء الاخوان المسلمون ومثلهم اليساريون الذين عادوا من المنافي فانقسموا مباشرة بعد حصولهم على ما كانوا يناضلون من أجله الى حزبين سياسيين أحدهما ماركسي والآخر ماوي، ناقلين نفس الصراعات التي كانت في المنافي الى الداخل، بعدما كان التعويل عليهم باعتبارهم غير مؤدلجين دينياً. 

وأضافت أن "كل حزب سياسي خرج بفتوى دينية لصالح كتلته. وكان أول استجواب من قبل الكتلة الشيعية لوزير سني فردت الكتلة السنية باستجواب وزير شيعي. وحين أعطي حق التجمع خرجت أكثر من 650 تظاهرة لم تلتزم بمبادي القانون في حق التجمع والتظاهر".

وقالت "لقد اعطينا ديوان للرقابة المالية وعلى الرغم أن تقرير الرقابة المالية كان حافلاً بالمخالفات تم القاء الكرة من سلطة الى أخرى تهرباً من المسؤولية محملين ديوان الرقابة بوجود قصور في تفسير الدستور".

وخلصت الشاعر الى أن النص في الدستور أو الميثاق ليس نهاية المطاف بل قابل للتطور.

وأعقب كلمات المتحدثين مداخلات من الحضور بينها سؤال من "إيلاف" عن منح الجنسية في البحرين وسحبها من مواطنين، هل هم مجنسون منحوا الجنسية وسحبت منهم أم مواطنون أصلاً وأسقطت عنهم كعقاب؟

وأجاب الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة، أنهم كانوا يعيشون بدون جنسية وجاء الميثاق وأعطاهم الجنسية البحرينية. 

أما المستشار الحمر فبين أن الميثاق وضع إطاراً عاماً لكيف تسير الدولة بهويتها العربية الاسلامية وما للمواطنة من حقوق وواجبات وهناك عدد من الاشخاص يعارضون لكن لا تعني المعارضة هي رأي كل الشعب، لكن المطالبة باستخدام العنف واستخدام المعارضة بطريقة غير مشروعة، وان منح أو سحب الجنسية حق سيادي، وفي مختلف دول العالم حين يخون مواطن لن يعود مستحقاُ للمواطنة لحماية مجتمعها من استهداف. وقد أعطت البحرين فرصاً كثيرة لمسيئين للدولة ومنهم من سحبت منهم الجنسية لكنهم لم يستجيبوا فتم سحب الجنسية منهم. 

بدورها أشارت سميرة بن رجب المبعوث الخاص للديوان الملكي الى ما حصل في فرنسا حين تم سحب الجنسية من مواطنين فرنسيين هم من الجيل الثالث من المهاجرين في فرنسا لكنهم تورطوا في الارهاب، وذات الامر حصل في البحرين التي كانت منحت الجنسية لألاف من الايرانيين وهو حق من حقوق الانسان، لكن تورط بعضهم في الاخلال بأمن البلاد والأعمال الارهابية فتم سحب الجنسية البحرينية منهم.

يذكر أن فعاليات منتدى أصيلة الثقافي الدولي الأربعين، تتواصل حتى الثاني والعشرين من شهر تموز الجاري، ويشارك فيها عدد كبير من الخبراء والباحثين والسياسيين والادباء من دول عربية أجنبية.