تصر السلطات الروسية على أن أوكرانيا والغرب هم وراء هجوم الشهر الماضي على قاعة للحفلات الموسيقية في مدينة كروكيس، في ضواحي موسكو، الذي قتل فيه 145 شخصا.

وقد تبنى تنظيم الدولة الإسلامية الهجوم فورا. ولكن مباشرة بعد اعتقال المشتبه فيهم، لمح الرئيس فلايديمر بوتين إلى ارتباطهما بأوكرانيا.

وفي نهاية الأسبوع، بث التلفزيون، الرسمي الروسي، صور فيديو للتحقيق مع المشتبه فيهم الأربعة، وجميعهم من طاجيكستان. وقال أحدهم، أمام الكاميرا، إن خطتهم كانت "التوجه إلى كييف"، بعد تنفيذ الهجوم.

ولابد من من أخذ كلامهم بكثير من التحفظ، لأنهم مثلوا أمام المحكمة وعليهم آثار التعذيب.

وأطلق مراسل التلفزيون الروسي مزاعم غريبة أثناء عرضه للتقرير:

"عقب الهجوم الإرهابي، بدأت المصادر الغربية والعديد من الروس "العملاء للخارج"، بتحويل التركيز من الاتهامات ضد أوكرانيا إلى تنظيم الدولة الإسلامية وحده".

ويوصف من ينتقدون الكرملين في روسيا بأنهم "عملاء للخارج"، لأنهم "يتلقون التمويل من الخارج، أو لأنهم "تحت التأثير الخارجي".

ولا يعد انتقال التركيز إلى تنظيم الدولة الإسلامية غريبا.

فالتنظيم لم يعلن مسؤوليته عن الهجوم فحسب، بل بث صور فيديو لإطلاق النار.

أما أوكرانيا فقد نفت أي علاقة لها بالهجوم. وأكثر من ذلك فأن الولايات المتحدة وإيران كلاهما حذر موسكو من هجوم في روسيا.

ولم يشر تقرير التلفزيون الروسي، عن الهجوم، إلى تنظيم الدولة الإسلامية مطلقا.

واتهم الصحفي وسائل الإعلام الغربية بأنها "متعاطفة مع الذين نفذوا الهجوم الإرهابي، الذي قتل فيه 140 شخصا من العزل أكثر من تعاطفها مع الضحايا".

ويتضح من هذا أن الهدف هو شيطنة الغرب عند الرأي العام الروسي.

وهذا الكلام لم يصدر عن التلفزيون الروسي فحسب، وإنما عن وزارة الخارجية أيضا.

وجاء في بيان على قناة الوزارة في إنستغرام أن "الغرب منع وسائل الإعلام من الحديث عن حجم المأساة الحقيقي، أو إعطاء العدد الحقيقي لضحايا، الهجوم الإرهابي، والأطفال منهم، وأن الغرب منع مسيرات التضامن مع الشعب الروسي".

وهذا خلاف الحقيقة تماما. فبي بي سي لم تتلق أي أوامر بهذا الشأن. ووسائل الإعلام الدولية تطرقت بشكل واسع إلى إطلاق النار في مدينة كوركيس وما ترتب عنه.

أما فيما ستخص التعاطف، فإن العديد من الدبلوماسيين الغربيين ذهبوا إلى وزارة الخارجية الروسية للتوقيع في كتاب التعازي. ووضعوا بعدها أكاليل من الزهور ترحما على أوراح الضحايا في ضواحي المدينة.

وهذا لم يمنع المسؤولين الروس من إلقاء اللوم على أوكرانيا والغرب.

وقال ألكسندر بورتنيكوف، رئيس جهاز المخابرات للتلفزيون الروسي:

"نعتقد أن العملية من تدبير المتطرفين الإسلاميين أنفسهم، بتسهيل من المخابرات الغربية. والمخابرات الأوكرانية لها علاقة مباشرة ببالأمر".

وقال الرئيس بوتين الأسبوع الماضي إن "روسيا لا يمكن أن تتعرض لهجمات من الإسلاميين المتطرفين، فحن بلاد أثبتت أنها مثال الانسجام بين العقائد، والوحدة بين الأعراق والأديان".

ولكن المخابرات الروسية أعلنت الشهر الماضي فقط أنها أحبطت خطة لاستهداف كنيس يهودي في موسكو.

فلماذا تحرص القيادة الروسية على إلصاق تهمة هجوم مدينة كروكس بأوكرانيا والغرب؟

هذه هي الأسباب:

أولا : لا تغير في الأعداء

منذ اجتياح روسيا الشامل لأوكرانيا تعمل القيادة الروسية على إقناع الرأي العام بأن العدو الرئيسي هو أوكرانيا والدول الغربية "مجتمعة".

وهي رسالة لا تريد السلطات تعديلها. فإذا اعتقد الروس أن التطرف الإسلامي خطر أكبر على أمنهم من أوكرانيا والقادة الغربيين، فإنهم سيتساءلون لماذا لم تركز موسكو على هذا الخطر تحديدا بدل الحرب على روسيا.

ثانيا: تحويل الانتباه

تجاهل الرئيس بوتين الشهر الماضي علنا تحذيرا من السفارة الأمريكية من هجوم "وشيك" لمتطرفين.

ووصف التحذير بأنه "ابتزاز بهدف تخويف وزعزعة استقرار مجتمعنا". وبعد أيام وقع هجوم مدينة كوركيس.

وأكد المسؤولون الأمريكيون بعدها أن المعلومات الاستخباراتية التي عرضوها على السلطات الروسية كانت "محددة، وفي وقتها، وذات مصداقية". وإلقاء اللوم على كييف والغرب قد يكون القصد منه تحويل الانتباه عن المعلومات التي تلقاها المسؤولون الروس وكيف تعاملوا معها.

ثالثا: ذريعة للتصعيد

ويعطي تأكيد علاقة كييف والغرب بالهجوم ذريعة لروسيا لأي تصعيد مستقبلي في الحرب أوكرانيا، إذا قررت بأنها بحاجة إلى ذلك.

ولكن بعض المعلقين يحذرون السلطات الروسية من أن النظام السياسي الذي يخطئ في تعيين العدو يكون قد ارتكب خطأ فادحا.

ويعتقد الخبير السياسي، فلاديمير باستوكوف، أن "هذه هي الطريقة التي تموت بها هذه الأنظمة".

"تركز على شخص تراه هو العدو، وتتغافل عن العدو الحقيقي، في مكان آخر". وتركز السلطات حاليا على أوكرانيا، وعلى الغرب، والليبراليين. ويفتح الباب الخلفي. ومن هذا الباب الخلفي ياتي العدو الحقيقي".