غزة: انتقلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أشهر، إلى مستوى ثان تماما لا يقل عن الدمار والحصار الخانق إنما أكثر تماشياً مع العصر.

فتعاون برنامج الذكاء الاصطناعي مع إسرائيل للتعرف على وجوه الغزاويين وجمع صورهم وأرشفتها لم يعد سراً، إلا أن جديدا طرأ على الملف.

"مسحوق سحري"
فقد ظهر مقطع فيديو لمسؤول كبير في وكالة الاستخبارات الإلكترونية الإسرائيلية، الوحدة 8200، يتحدث العام الماضي، عن استخدام "مسحوق سحري" لآلية تساعد في تحديد أهداف حماس في غزة.

وأثارت اللقطات التي نشرت مؤخراً، تساؤلات حول دقة البيان الأخير بشأن استخدام الجيش الإسرائيلي للذكاء الاصطناعي من أجل تحديد هوية النشطاء أو التنبؤ بما إذا كان الشخص من الفصائل أم لا.

ليوضح رئيس علوم البيانات والذكاء الاصطناعي في الوحدة 8200 – الذي يُدعى فقط باسم "العقيد يوآف"، إنه سيكشف عن مثال لإحدى الأدوات التي نستخدمها قبل أن يشرح كيف استخدم قسم الاستخبارات تقنيات التعلم الآلي في الهجوم الإسرائيلي على غزة في أيار (مايو) 2021 بذريعة "العثور على إرهابيين جدد"، وفقا لصحيفة "الغارديان".

وقال: "دعونا نقول إن لدينا بعض الإرهابيين الذين يشكلون مجموعة ولا نعرف سوى بعضهم.. من خلال ممارسة المسحوق السحري لعلم البيانات لدينا، يمكننا العثور على الباقي"، بحسب زعمه.

فيما تحمل الأوصاف الواردة في مقطع الفيديو للتكنولوجيا التي تستخدمها الوحدة 8200، أوجه تشابه مع ستة شهادات حديثة تتحدث عن استخدام الجيش الإسرائيلي فعلاً لأداة ذكاء اصطناعي تسمى "لافندر" أثناء هجومه على حماس.

وقال الشهود الستة إن قاعدة البيانات التي أنشأها الذكاء الاصطناعي قد استخدمت لمساعدة ضباط المخابرات المشاركين في حملة القصف في غزة، مما ساعد أيضاً على تحديد عشرات الآلاف من الأهداف المحتملة.

وفي رده، قال الجيش الإسرائيلي إن بعض الروايات "لا أساس لها من الصحة".

إلا أن تلك الروايات تتفق مع تصريحات يوآف خلال مؤتمر الذكاء الاصطناعي في جامعة تل أبيب في فبراير من العام الماضي، حين تم استضافة الفيديو الذي يتحدث فيه على قناة الجامعة على يوتيوب دون أن تظهر صورته، وحتى وقت قريب حصل على أقل من 100 مشاهدة.

وعندما صعد إلى المسرح مرتديا زيا عسكريا، صدرت تعليمات للجمهور بعدم التقاط أي صور ليوآف أو تسجيل عرضه.

وفي العرض الذي مدته 10 دقائق – بعنوان "التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في مجال الاستخبارات"، قدم العقيد نظرة نادرة حول كيفية استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي المبهمة من قبل الهيئات العسكرية والاستخباراتية السرية.

كما أوضح أنه عند استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بما إذا كان شخص ما "إرهابيا"، فإن الوحدة 8200 تأخذ المعلومات المتوفرة لديها عن الأشخاص الذين تعتقد أنهم أعضاء في "جماعات إرهابية" وتهدف إلى العثور على بقية المجموعة.

وفي إشارة إلى مثال محدد، قال المسؤول إنه في العملية العسكرية للجيش الإسرائيلي في مايو 2021 في غزة، طبقت وزارته هذا المبدأ "للعثور على قادة الصواريخ في فرقة حماس وحاملي الصواريخ المضادة للدبابات في غزة من أجل العمل ضدهم".

وتابع أنه باستخدام أحد أشكال التعلم الآلي - المعروف باسم "التعلم الإيجابي غير المسمى" - تؤخذ المجموعة الفرعية الأصلية، وتحسب دوائرها القريبة، ثم تحسب الميزات ذات الصلة، وفي النهاية يقوم الجيش بترتيب النتائج وتحديد العتبة.

وقال العقيد إن تعليقات ضباط المخابرات تُستخدم "لإثراء وتحسين خوارزميات الجيش"، وشدد على أن "الأشخاص من لحم ودم" هم من يتخذون القرارات.

الجيش لا ينفي
يذكر أنه بحسب يوآف، تمكنت الوحدة 8200 من كسر "الحاجز البشري" خلال هجوم مايو 2021 عندما تمكنت من إنتاج أكثر من 200 هدف جديد.

وقال الجيش الإسرائيلي، الذي تم الاتصال به للتعليق على الفيديو، إن مشاركة العقيد في المؤتمر تمت الموافقة عليها من قبله. ومع ذلك، نفى متحدث باسمه أن تتعارض تصريحاته مع نفي الجيش الأخير لاستخدامه للذكاء الاصطناعي.

وفي تغيير طفيف للصياغة لم يتم استخدامه في بيانه الأصلي، أخبر الجيش الإسرائيلي أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة به لا "تختار أهدافًا" للهجوم، مشددا على أن الجيش الإسرائيلي لم ينكر قط وجود قاعدة بيانات للنشطاء في المنظمات، والتي تتحقق من المعلومات الموجودة عن هؤلاء النشطاء.

في الوقت نفسه، يلتزم الجيش الإسرائيلي تماما بتصريحه بأنه لا يستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تختار أهدافا للهجوم، وأن قاعدة البيانات المعنية ليست قائمة بالنشطاء المؤهلين للهجوم.

يشار إلى أن المرة الأولى التي ألمحت فيها إسرائيل لاستخدام الذكاء الاصطناعي في حربها على غزة، كانت في يناير الماضي، حين أكد المتحدث باسم الجيش، دانيال هاغاري، إلى أن القوات الإسرائيلية تعمل فوق الأرض وتحتها.

بينما أوضح مسؤول عسكري أن هذه التقنية تستخدم لإسقاط المسيرات الفلسطينية، كما تستعمل لرسم تصور أو خريطة للأنفاق التي حفرتها حماس تحت الأرض.