علي سعد الموسى


قد لا يعلم ملايين السعوديين المستخدمين لـquot;تويترquot; أن أباطرة مشاهيرهم على فضاء quot;تويترquot; لا يحملون أجهزة ولا يضغطون بأنفسهم على الأزرار ولا يكتبون لمتابعيهم جملة واحدة بأصابعهم

بعد عام ونصف العام بالتقريب من المراقبة والتأمل، كمتابع باسم وحساب مستعارين على إمبراطورية (تويتر)، أستطيع اليوم أن أكتب لكم بعضاً من ملامح (شخصية السعودي) وطرائق تفكيره وأنساق همومه. تستطيع أولاً أن تقول بحذر، أنه بارد وهادئ، إن شعباً كاملاً يبدو في المجمل متحداً حول هذه الفكرة من وسائط التواصل الاجتماعي، قد يسهر خمسة عشر مليون سعودي حول تغريدة واحدة من النشاز والإثارة. تستطيع أن تقول ثانياً، وبكل ثقة إنه شعب يمارس فطرته الغرائزية في الانقياد والتبعية. كيف؟ لأن هذا (التويتر) ابتدأ في الأصل كفكرة للتعبير الفردي عن روح الاستقلال وجغرافية الفرد وحريته المطلقة في التعبير، لكنك تكتشف على النقيض أن مجرد (شخصين) من هوامير (تويتر) وحدهما يحظيان من المتابعة بمقدار يزيد على ضعف ونصفه من المنتسبين إلى هذه الإمبراطورية. عشرة أشخاص من (top ten) هم من يقودون كل هذه الطوابير الملايينية.
يكشف لنا هذا (التويتر) أنه من السهولة بمكان أن يسهر شعب كامل على قضية واحدة. شعب يحول هذا التويتر إلى مجرد فكرة واحدة وإلى جملة تغريد واحدة. وبدلاً من أن يكون تويتر مسرحاً هائلاً للأفكار المتضادة المختلفة، بروح من الفردانية والشخصانية التي تعكس روح الفرد تحولنا معه إلى (قطيع) ينتظر في بواكير الصباح ومنتصف المساء: على أي قضية يخطط لها الهامور، وكيف ننام عندما يختمها بموجزه؟ عشرون (هاموراً) يقررون لنا كل صباح مسار هذا العالم الافتراضي لنشغله من بعدهم بملايين التغريدات التي تدور بالتقريب حول هذه التغريدة.
ولتبسيط ما سبق سأشرح لكم شخصية شعب آخر مع تويتر. شعب يشبهنا إلى حد كبير في المعتقد والثقافة العامة والإمكانات والمستوى الاقتصادي وإلى حد ما في عدد السكان، وبالتقريب، في عدد مستخدمي تويتر. في الأسبوع الماضي، أكملت قراءة دراسة طويلة بعثها إلي صديق عن الماليزيين على تويتر (malaysianon twitter). وفي صلب الفكرة العامة تقول الدراسة إن الشعب الماليزي لا يذهب في سلوكه التويتري إلى الفكرة التي تقول (بقائد وأتباع)، ولا يجنح للسلوك الجمعي في متابعة تويتر، وفي الأساس لا توجد في العالم الافتراضي لتويتر الماليزي فكرة المنافسة والتباهي بعدد الأتباع والمريدين. السبب الذي أعتقده يكمن في أن هذا الشعب قد فهم (تويتر) على أنه فكرة (تواصل اجتماعي) لا قضية (تواصل قطيع جماعي).
قد لا يعلم ملايين السعوديين المستخدمين لتويتر أن أباطرة مشاهيرهم على فضاء تويتر لا يحملون أجهزة ولا يضغطون بأنفسهم على الأزرار، ولا يكتبون لمتابعيهم جملة واحدة بأصابعهم: تويتر عند مشاهيرنا فكرة (مكتبية) بموظفين لا يعلم قائدهم عن تغريداته ولا يسأل عنها. موظفون يقرؤون أفكاره ثم يبثونها إلى ملايين الأتباع؛ ولهذا يعكس لنا هذا (التويتر السعودي) روح الحزبية وفكرة الإقطاع أو القطيع المجتمعي. ولكم أن تعلموا أن باراك أوباما يكتب تغريداته بيديه ويكتفي في اليوم بتغريدة واحدة تعكس مزاجه وأفكاره بالأصل لا بالإنابة.
في الدراسة الماليزية هذه الأرقام التي تعكس مزاج شعب: لا تشكل قضايا التباين العرقي من التغريدات سوى أقل من نصف في المئة، رغم أنه شعب منقسم إلى ثلاثة أعراق رئيسة. تشكل قضايا التباين الديني أقل من واحد في المئة رغم أن الشعب الماليزي يعيش على ستة معابد رئيسة. تشكل قضايا البناء والتنمية أقل من أربعة في المئة من هموم الشعب الماليزي. وفيما فهمت من الدراسة الماليزية تبقى النسبة الجارفة من استخدام تويتر لديهم لفكرة التواصل المجتمعي، التويتر لديهم فكرة متطورة لما لدينا من (الواتس أب). وفي المقابل: لا توجد لدي دراسة واحدة عن مسلك السعودي مع تويتر، ولكن: كم هي نسبة انشغالنا في تويتر مع (معركة تاء التأنيث)؟ وكم هو حجم تغريداتنا اليومية مع معركة الثنائية المذهبية ما بين السني والشيعي؟ كم هي نسبة السأم والإحباط المصطفين من كل شيء في حياتنا التنموية المذهلة؟ رغم أننا، ولله الحمد، في قلب نادي العشرين وفي المرتبة العاشرة عالمياً من حيث نسبة مكافحة الفقر.
سأعترف: حتى أنا بدأت حسابي بيوميات جمهورية المنسك الشعبية لإيماني أن الحارة وطن، وأن الحارة منسية مهملة لا تقع ضمن الخريطة. ولربما كان إدماني لهذا التويتر سببا في أن أكون ضمن هذا القطيع!!