مفتاح شعيب

لم تجد الحكومة الليبية من رد على الاشتباكات العنيفة التي هزت عاصمتها في مناسبتين الأسبوع المنصرم غير التنديد، وهو موقف لا يخرج عن سياق مواقفها السابقة، ولكن ما كان مثيراً حقاً هو ذلك الاستعراض العسكري الضخم في بنغازي الذي جاء، بحسب ما ورد رسمياً، سعياً لضبط الأمن في هذه المدينة المثخنة بالاغتيالات اليومية والتفجيرات .

لا شك أن بنغازي مثلها مثل مختلف المدن الليبية تحتاج إلى كل تلك الكتائب العسكرية الجرارة لتتصدى لجرائم الميليشيات وتوقف الانتهاكات المستمرة لمؤسسات الدولة والاعتداءات على الممتلكات وسلبها من أصحابها الشرعيين . وبينما تعد تلك الخطوة متأخرة جداً في بنغازي وفرص نجاحها محفوفة بالإخفاق، كانت طرابلس باعتبارها العاصمة السياسية وعنوان وحدة الدولة مهددة بأخطار تبدو أسوأ من غيرها، إذ يبدو أن وضع ldquo;توازن الرعبrdquo; بين الميليشيات المسيطرة على أغلب أحيائها بدأ يختل . ورسمت الاشتباكات بين الميليشيات المتنافسة، التي بعضها من مصراتة والآخر من الزنتان وبعضها الآخر من أحياء العاصمة، مشهداً قاتماً، وأوحت بسيناريوهات مرعبة قد يحدث بعضها في الأسابيع القليلة المقبلة، لا سيما إذا ما نفذت الحكومة المؤقتة تهديداتها بقطع الرواتب عن الآلاف من حاملي السلاح من ldquo;الثوارrdquo; نهاية العام الجاري، بعد فشل محاولاتها ضمهم إلى جهازي الجيش والشرطة، وعجزها عن ننفيذ قرار من البرلمان بتنقية العاصمة من كل المظاهر المسلحة تمهيداً لبسط الشرعية والأمن .

في الفترة الأخيرة، عاد الحديث بقوة عن خطر الميليشيات في ليبيا، ولم يعد الليبيون بمختلف شرائحهم يخفون فزعهم ولا يستبعدون أسوأ الاحتمالات . وبعد أن بلغت الدولة مرحلة متقدمة من الوهن والضعف، مقابل استشراس المجموعات المسلحة وتنامي النزعات الانفصالية وارتفاع سقف المطلبية في شرق البلاد وغربها، بات من المؤكد أن فترة الهدوء الملغوم التي استمرت أكثر من عامين أوشكت على الانتهاء، ونهايتها الحتمية لن تمر بلا تضحيات .

أغلبية الشعب الليبي ترغب في الخلاص من هذا الوضع القاتل، وتجلت تلك الرغبة في الدعوات الملحة للتظاهر سلمياً في غير مدينة للدفاع عن حياة آمنة لا يأكل فيها القوي الضعيف مثلما هو حاصل حالياً . وكانت الاحتجاجات التي خرجت الأيام الماضية في طرابلس وبنغازي تعبيراً حاداً عن الملل من العيش وسط الميليشيات المستعدة لاستخدام الصواريخ والمدافع المضادة للطيران والدخول في ldquo;حروبrdquo; لأتفه الأسباب . وإذا كانت بنغازي الموصوفة بأنها ldquo;مهد الثورةrdquo; وتحولت خلال الأشهر الأخيرة إلى ساحة للقتل والتصفيات الجسدية، فإن طرابلس لا تختلف عنها كثيراً، وربما سيقودها الاحتقان الشديد الجاري بين القوى السياسية والمجموعات المسلحة إلى وضع أخطر من الأولى . وحين تصبح العاصمة ساحة صراع، فستتداعى أنحاء البلاد الأخرى إلى المربع ذاته، وعندها سيختل التوازن وسيؤدي إلى نسف كيان الدولة جغرافياً وسياسياً، ولا عزاء عندئذ للجميع .