هاشم عبدالعزيز

كيري في القاهرة . . كان ذلك يوم الأحد الماضي، حيث اهتمت معظم وسائل الإعلام بالزيارة بشكل لافت، كما لو أن زيارة كيري للقاهرة هي الأولى أو أنها جديدة، ما أثار تساؤلات لجلاء الحقيقة .

في النظرة العامة لم تكن زيارة كيري للقاهرة الأولى، وقد تردد عليها قبل منصبه الحالي وبعد أن صار وزيراً للخارجية مرات عدة، وهو لم يتفرد في هذا الشأن إذا ما أخذ في الاعتبار أن القاهرة لسنين بل طيلة عقود تبعية مبارك ونظامه لواشنطن تحولت إلى ldquo;مزارrdquo; أمريكي مفتوح على كل شؤون مصر صغيرة وكبيرة وrdquo;استراحةrdquo; أمريكية للتحركات الدبلوماسية وغيرها في هذه المنطقة، لكن في النظرة الخاصة فإن الزيارة تذهب منحى آخر من حيث طبيعتها بما تنطوي من أهمية .

تبدأ دلالة هذا من كون الزيارة كانت ldquo;خاطفةrdquo; لا بمدتها التي لم تزد عن ساعات قليلة بل بما كانت خاطفة للأنظار التي تابعتها باهتمام كبير في المدارات الاقليمية والقارية والدولية ومن هذه ldquo;الحالةrdquo; على الأقل يمكن القول: إن كيري لأول مرة لا يعود إلى القاهرة كما اعتاد زيارتها بل تهيأ لزيارة غير معتادة لهذه العاصمة التي تستعيد أهمية مكانتها الحيوية والاستراتيجية لا في شأن هذه المنطقة بل وعالمنا بأسره .

من هنا يمكن الإشارة إلى ما يمكن وصفه بrdquo;المتغيرrdquo; في الخطاب الأمريكي الذي ظل ابتزازياً للأوضاع والتطورات التي شهدتها مصر وبخاصة منذ انتفاضة يونيو التاريخية، وجاء هذا ldquo;المتغيرrdquo; من قبل كيري أثناء المؤتمر الصحفي الذي جمعه ووزير الخارجية المصري نبيل فهمي حين أكد على دعم بلاده للشعب المصري وللحكومة المؤقتة في تنفيذها خارطة الطريق ldquo;للانتقال إلى المسار الديمقراطيrdquo;، وعلى أن ldquo;نجاح مصر سياسياً واقتصادياً أمر مهم ليس فقط للمصريين بل للمنطقة والولايات المتحدة والمجتمع الدوليrdquo;، على حد تعبيره .

وأعلن كيري أن زيارته إلى مصر تأتي بالنيابة عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لبحث مستقبل الشرق الأوسط ومستقبل العلاقات الأمريكية - المصرية، مضيفاً أن ldquo;الولايات المتحدة صديق وشريك مهم لمصر وتريد النجاح لها والمساهمة في ذلكrdquo;، معرباً عن تطلعه إلى ldquo;أن تستمر مصر بتاريخها العريق والعظيم في دورها القيادي في الشرق الأوسطrdquo; . ونوه كيري إلى دور مصر ldquo;كقائد ثقافي وسياسي واقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقياrdquo;، وأكد حرص الإدارة الأمريكية على التعاون مع الحكومة المصرية المؤقتة من أجل مواجهة التحديات المشتركة ldquo;ومعرباً عن ارتياحه لتقدم مصر في تحولها الديمقراطي ونجاحها الاقتصاديrdquo; .

هل جاء هذا ldquo;التحولrdquo; في الخطاب الأمريكي جراء مراجعة لما كانت عليه السياسة الأمريكية أثناء ثورة يناير 2011 وما تلاها حتى انتفاضة 30 يونيو 2013؟

بالنظر إلى التضاربات التي ظلت حاضرة في المواقف الأمريكية بين الكونغرس والرئاسة والبنتاغون وإلى أسابيع قليلة في شأن الوضع المصري يبدو أن الإدارة الأمريكية على اختلاف أجهزتها ومؤسساتها ستبقى في هذا الشأن حبيسة الإفراط في التدخل الأمريكي في الشؤون المصرية وهذا كان سافراً، وبدا كما لو أنه يجري على قرارات مسبقة اصطدمت بحقائق مصرية تاريخية ووطنية غيرت كل شيء في وجه الحياة السياسية المصرية، وهذا يعني أن لا مراجعة أمريكية جرت، ولكن منذ 30 يونيو 2013 حدث ما بات مغايراً لما أرادته الإدارة الأمريكية، أي إبقاء مصر في حال دوام دائم من التبعية .

بداية كان ثبات القيادة المصرية الحالية برفض التدخل في شؤون مصر وهي رغم حملات الابتزاز لم تهتز، وتمكنت من إعادة الإمساك بالحلقات الرئيسة في شأن سيادة مصر وعلاقاتها، وربطت هذا الاتجاه بخارطة انتقال مفتوحة على آمال وتطلعات الشعب المصري بأسره في الحرية والعدالة والكرامة في دولة المصريين المدنية .

إضافة إلى هذا الاتجاه، هناك ردود الفعل الغاضبة في الشارع المصري تجاه الولايات المتحدة لتدخلها في الشؤون المصرية، وإذا كان من الاستحالة أن تعود مصر مدجنة كما كانت في الكنف الأمريكي؛ فالآثار المترتبة على التدخل الأمريكي لدى المصريين ستبقى باعثة على القلق والشك من الأمريكيين لأنهم وحدهم من يزرعون هذا بأعمالهم العدائية .

وإذا ما أضفنا إلى هذا وذاك ما كان يوصف بتدهور العلاقات المصرية - الأمريكية جراء رد فعل مصر على سياسات واشنطن، فإن هذه مجتمعة هي التي أدت إلى ما حدث من متغير في الخطاب الأمريكي وإلى زيارة كيري للقاهرة مثقلاً بملفات أزمات المنطقة، بدءاً من فلسطين، مروراً بالملف النووي الإيراني وانتهاءً بالأزمة السورية .

هل ستبدأ مرحلة جديدة من العلاقات المصرية - الأمريكية؟ هذا ليس مستحيلاً ولكنه يتوقف على تجسيد طروحات كيري حول مصر في السياسة الأمريكية .