عبدالله العوضي

يطل الإرهاب مرة أخرى برأسه على لبنان ويغتال وزير المالية اللبناني الأسبق محمد شطح أحد رموز الاعتدال والحوار، ولم يقف هذا المسلسل الإجرامي منذ 2005 باغتيال رفيق الحريري الذي أرسى دعائم الأمن والاستقرار وأعاد الإعمار إلى لبنان الذي أنهكته الحروب الأهلية التي لم تستثنِ أحداً من آثارها، والمستهدف هو لبنان دولة الحرية والعيش المشترك بإدخالها عنوة على خط التماس مع الأزمة السورية، ولن يخدم ذلك أحداً بقدر ما يزيد الوضع تأزماً.

فالرسالة التي ينبغي الالتفات إليها عندما تقع مثل هذه الجرائم الإرهابية أن التمسك بخط الاعتدال هو السلاح الأقوى لمحاربة الإرهاب ومواجهته، فأي تنازل أو تراجع يعني إعطاء المتربصين بلبنان مبرراً للاستمرار في مواصلة ارتكاب جرائمهم البشعة، فقد دفع لبنان لفترات طويلة فاتورة الاختبارات التي مرت عليه بسبب الاستقطابات الفكرية والحزبية والتدخلات المتتالية في شؤونه الداخلية التي أخذت منه الكثير.

إن بقاء لبنان مستنفراً على أكثر من جبهة من إسرائيل إلى سوريا والشحن المستمر لتفادي الآثار الجانبية لهذا الوضع يجعل الأمر من الصعوبة بمكان للتحكم في كل الجبهات، والأهم من كل ذلك هو توحيد الجبهة الداخلية، فالتنوع السياسي في لبنان ينبغي أن يأخذ دوره المناسب في الوصول إلى نقطة الحفاظ على دولة لبنان التي يراد إضعافها بشتى الطرق، والإرهاب إحدى الأدوات التي يتم تكرار استخدامها بين فترة وأخرى. إن العمليات الإرهابية يجب ألا ترهب الدول وإلا وقعت تحت ضغوطها، فالحركة إلى الأمام لاتخاذ كافة التدابير اللازمة لاستئصال الإرهاب من منبعه الفكري لتحصين الشعوب ضد أي تيار أو حزب يروج لهذا الأمر مطلوب لتخطي هذا التحدي الذي هو بحاجة إلى المزيد من الصرامة والحزم للتغلب عليه ووقف استشرائه في المجتمعات الآمنة التي تراهن على أن الأمن جزء من حياتها وسر قوّتها في جميع المجالات.

من المهم في هذه المرحلة الحرجة من حياه الأمة العربية ألا يترك لبنان يصارع الإرهاب وحده، بل إن من الضرورة وجود مشروع استراتيجي عربي متكامل لسد الثغرات التي ينفذ منها الإرهابيون، وقطع الطريق عليهم لعدم الوصول إلى أهدافهم في زعزعة أمن واستقرار الدول. إن الجهود المشتركة لها دور كبير في مواجهة هذه العمليات الإرهابية، ويأتي دعم المملكة العربية السعودية للجيش اللبناني بـ3 مليارات دولار من أجل شراء أسلحة من فرنسا الذي أعلن عنه الرئيس اللبناني مؤخراً خطوة عملية لحماية لبنان من جميع أنواع التطرف والعنف والإرهاب. إن كافة الأحزاب اللبنانية مطالبة بأن تشكل طوقاً صلباً لحماية لبنان الوطن من أي اعتداء إرهابي أو فكري يشيع الفوضى وعدم الاستقرار الذي يهدف إليه لتحقيق مصالح ضيقة لا تخدم سياسة الإعمار التي اغتيلت باغتيال الحريري والآخرين بتلك الوسيلة المشينة. وقدر لبنان أن يكون مركزاً لأنواع الطيف الفكري والحزبي كجزء من المعادلة الديمقراطية الخاصة بها وهي ميزة تمكنه من الوصول إلى صيغة مناسبة لإعادة الحياة السياسية وفقاً لمصالح كل الأطراف التي يعنيها الاستقرار والأمن بالدرجة الأولى لضمان العيش المشترك وهو العنوان الذي يجب التمسك به في كل الظروف والأزمات التي تمر على لبنان. إن ما يدور في بعض الدول العربية من أحداث باسم الديمقراطية والحرية والعدالة وغيرها من الشعارات البراقة أخرجت وجه الإرهاب في ابشع صوره، وخاصة الزج بتلك الدول في أتون الفوضى باسم التغيير، فلا نريد أن يذهب لبنان ضحية لهذه الشعارات التي لم يستمر بريقها للحظات تحت مسمى laquo;الربيع العربيraquo;.