طلعت رميح

وكأن العراق ليس عربيا،وكأنه تحرك من مكانه ولم يعد البوابة الشرقية ولا قلب الأسد في الصراعات مع إسرائيل،وكأن من فيه من البشر هم زيادة عدد على بقية سكان المنطقة من العرب،وكأن الإبادة والقتل والتفجير وتغيير هوية كل هذا الوطن، لا تنطبق عليها قوانين وقواعد حقوق الإنسان ولا حق العربي على العربي.وكأن ما يجري هناك للبشر وعلى الأرض أمر يخص مافيه لا يغير ولا يؤثر على بقية العرب وفي الإقليم وعلى الصعيد الدولي،فيما الأمة تعيش أشد حالات اختلال التوازن بعدما غيب العراق.
وإذ يثور العراقيون على ما آل إليه حال بلادهم المعذب والجريح بكل ما لم يحدث في التاريخ الإنساني من كثافة القتل والتهجير والإعدام والقصف بالنووي إلى حد الإبادة،فكثير الإعلام لا يرى ولا ينقل حقائق ما يجري في تلك الثورة ولا البشائع التي يرتكبها المالكي وميليشيات القتل الإيرانية،بل يظل يتعامل مع ما يجري وكأنه مجرد أحداث أمنية، وكأن ثمة قلوب وعقول ختم عليها بالصمم.
وإذ يمكن للمتابع أن يفهم ndash;دون أن يتفهم - أسباب ترك المقاومة العراقية في مواجهة قوات الاحتلال الأمريكي وحيدة من كل غطاء عربي أو دولي،بحكم الخوف المستشري بين حكام الإقليم وفي الخارج،من جبروت وإرهاب الأمريكان وبسبب السطوة الأمريكية على الإعلام، فالعقل يحتار في أسباب عدم المتابعة الإعلامية لما جرى من حراك شعبي سلمي وطني في العراق لمدة عام تحت القتل والقصف من ميليشيات المالكي. هذا الإعلام يتابع حادثا فرديا في أمريكا بالساعات ولا يتابع مذبحة إبادة لشعب كامل على مدار سنوات.
والأدهى والأمر أن سياسة البعض في الخليج لا تزال متمترسة عند هدف وسياسة التعويل على الأمريكان والغربيين لتعديل التوازنات ndash; أو لضبطها-مع إيران،بينما الثورة العراقية هي الأقدر على إعادة ضبط الميزان بل واتقاء المخاطر ومواجهة وتشتيت الريح العاتية التي بدأت تهب على دول الإقليم ما بعد الاتفاق الأمريكي الغربي مع إيران على تقسيم المصالح والنفوذ مع إيران في العالم العربي.
أليست أمورا محيرة؟ وإلى متى يظل العراق يتيما لا سند له وهو ساند من ساند وقدم ما لم يقدمه الكثيرون دفاعا عن الأمة سياستها وبقائها؟ هل لا يزال هناك من لم يتعلم أن التضحية بالعراق أضرت مصالح واستقرار بل بوجود الجميع منا؟ ألم يكن إخراج العراق من معادلة التوازنات الإقليمية،سواء في مواجهة إسرائيل أو إيران،هو ما جلب على بلدان الأمة كل تلك المخاطر الوجودية الراهنة؟ ألم يكن هذا الخلل في التوازن هو ما سمح بانتقال النفوذ والدور الإيراني إلى دول عربية كثيرة،وهو ما حقق ndash;إذ جاء بعد خروج مصر من معادلة التوازن قبلها - تفوقا إسرائيليا حاسما بين دول الإقليم؟
الأمر الآن صار واضحا وقاطعا ولو حتى بحكم المصالح المباشرة وليس على صعيد الثوابت والمبادئ فقط. لا يجب أن يبقى العراق يتيما من كل عون ودعم عربي إعلاميا كان أو ماديا، فهناك تجري ثورة تستطيع وحدها إعادة تغيير التوازنات في الإقليم كله. والأخطر أن الإيراني والأمريكي والإسرائيلي الذين تحالفوا لإيصال العراق إلى ما وصل إليه، ويخوضون الآن أشرس معركة ضد العراق وأهله، فإن حسم الأمر لمصلحتهم لا قدر الله، فهم يحسمون المعركة في الإقليم كله، ليصبح الكيان العربي مجرد مجموعات سكانية لا مكان ولا قدر ولا حساب ولا دور ولا مصالح ولا نفوذ ولا استقرار لها، وهم من بعد سيتقدمون ليحسموا الأمور المعلقة في سوريا، ولن يتوقفوا حتى يحسموا الأمور في القضية الفلسطينية!
إلى متى يبقى العراق يتيما ونحن أحوج له عزا وقوة وصمودا ومقاومة وانتصارا. نحن الأحوج إلى العراق ونصره.