محمد عبدالمنعم

المتظاهرون حريصين علي ترديد سلمية.. سلمية ثم إذا بجماعة الإخوان المسلمين وميليشياتها تظهر علي المسرح, وعندما التزمت قواتنا منذ البداية بضبط النفس وعدم استخدام أي سلاح ناري.. عندما حدث ذلك, وكما عرفنا مؤخرا أن الإخوان المسلمين هم الذين تعمدوا قتل عدد من المتظاهرين حتي يلتهب الموقف ويزداد اشتعالا, ويتحقق لهم ماكانوا يتمنونه منذ تسعين عاما, فكان أن تحقق لهم ذلك وسط ألسنة النيران التي اشتعلت في العاصمة, وكل المدن الأخري, وكما لو كانت النار هي طقس من طقوس هذه الجماعة بعد أن خلطت عقولهم المريضة بين نيران جهنم, ونيران الدنيا التي خلقها الله تعالي لنعيش ونبني, ونصلح فيها.. علي العكس تماما مما يقوم به هؤلاء المتأسلمون الذين لا هم لهم ولا شاغل إلا الوصول للحكم وعلي جثث الجميع!..


منذ البداية حرص هؤلاء علي تكتيف أيادي قوات الأمن, وعندما تحقق لهم ذلك تطورت أهدافهم إلي كسر وإذلال رجال الأمن, وذلك بالاعتداء المباشر عليهم ثم بعد ذلك اقتحام مقر مباحث أمن الدولة, ومن قبل ذلك ومن بعد, اقتحام أقسام الشرطة والسجون واطلاق سراح زملائهم من المجرمين, واشعال النيران في المحاكم.. وذلك طبقا للخطة العامة والشاملة التي وضعها لهم جهابزة المخابرات الأجنبية, ومن هنا كان إصرارهم العتيد علي اقتحام وزارة الداخلية, ومن بعدها وزارة الدفاع, وكان فشلهم هنا وهنالك ذريعا وكاملا رغم أنه خلال هذه الفترة تحديدا تدفقت علي هؤلاء الخونة كميات فلكية من الدولارات الأمريكية ومن الأسلحة المختلفة عن طريق ليبيا غربا, وغزة شرقا, وتركيا شمالا, والسودان جنوبا!!


لعنة الله علي بريطانيا التي قامت بإنشاء هذه الجماعة في العشرينيات من القرن الماضي, ولو أنني أجزم بأن البريطانيين لم يتوقعوا إمكان هذه الجماعة تحقيق تلك النجاحات ـ وهي بالنسبة لنا خيانات عظمي ـ منذ نشأتها وحتي يومنا هذا, كذلك لا ينبغي أبدا إغفال أن بريطانيا العظمي تلك كانت وراء كل المشاكل الكبري والرئيسية التي نعاني منها منذ سنوات طويلة: المشكلة الفلسطينية التي تعاني منها كل الدول العربية بشكل أو بآخر كان وراءها قرار بريطاني بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين, ثم كان وراء هذا القرار الشيطاني حروب متكررة استنزفت شباب وموارد العالم العربي( وبالذات مصر) ثم كان بعد ذلك خروج جماعات الارهاب والخراب وفي مقدمتها منظمة حماس, والنظام العميل والشاذ في دولة قطر التي تحولت إلي بؤرة صديدية تنهش في الجسد العربي, وكذلك تعمدت بريطانيا لخبطة وارباك الحدود الدولية فيما بين جميع أجزاء هذا الوطن العربي الضخم ومخططات أخري كثيرة ومتعددة تحتاج إلي لجنة من الخبراء والمؤرخين لحصرها, وتأصيل جذورها, وسبل إجهاض آثارها ونتائجها الوخيمة التي مازالت تنخر في نفوسنا جميعا, ومن بينها أيضا قرار مجلس الأمن الذي صاغه داهية بريطاني بشأن انسحاب اسرائيل من الأراضي العربية المحتلة بعد حرب يونيو67, وبدلا من أن ينص القرار علي الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها اسرائيل بعد هذه الحرب العدوانية, كان ان نص القرار بخبث شديد ـ ابتلعناه جميعا بكل خيبةوسذاجة مفرطة ـ نص هذا القرار علي الانسحاب من أراض عربية بدلا من أن ينص علي الانسحاب من الأراضي العربية.. ابتلع القرار حرفي الألف واللام وابتلعنا نحن العرب هذه الخديعة التي مازالت آثارها تتفاعل رغم مرور ما يقرب من نصف قرن من الزمان!


وبعد أن انهارت الامبراطورية البريطانية التي لاتغرب عنها الشمس بزغت لنا الولايات المتحدة الأمريكية لتصبح القوة الأولي في العالم.. القوة الأولي في العالم كله ولكن بالنسبة لبريطانيا هي ليست كذلك بالمرة, ربما بسبب عقدة تاريخية واجتماعية ترجع إلي الأيام الأولي من اكتشاف أمريكا, وهجرة الأوروبيين إليها وطبيعة هؤلاء المهاجرين الأوائل التي تمثل بريطانيا بالنسبة لهم قمة الارستقراطية وعلو الشأن والمقام!
وكما رأينا طوال السنوات الطويلة الماضية فإن التحالف والتضامن الانجلو أمريكي هو تحالف دائم ومستمر في كل المصائب التي يشهدها العالم من هاتين القوتين علي وجه الخصوص, وفي أحيان كثيرة تنضم إليهم جوقة الدول الأوروبية.. أما فيما يتعلق بقرارات الأمم المتحدة فهناك دولة ميكرونيزيا التي لم يسمع أحد عنها من قبل التي كانت من( كبار) مؤيدي هذه القرارات!
ونعود إلي موضوع الإخوان المسلمين الذي هو شغلنا الشاغل الآن, ومنذ خروج هذه الجماعة علي مسرح السلطة في الدولة المصرية.. وهو الخروج الذي انتهي بنهاية كل المزاعم والأقنعة التي استهلكتها هذه الجماعة علي مدي قرن من الزمان منذ هذا الخروج لم تر منهم غير الخداع والاغتيالات والجهاد في سبيل الوصول إلي الحكم.
في هذا السياق, وبعد أن أشعلت واشنطن وبريطانيا ـ وباقي قوات التحالف الدولي ـ حربا ضروسا ضد الارهاب, وخرج علينا الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن ليعلن للعالم أجمع: من ليس معنا فهو ضدنا فإنه حتي يومنا هذا مازال جميع من حامت حولهم الشبهات في أحداث11 سبتمبر.. مازال جميع هؤلاء مسجونين في جوانتنامو, بل وأضربوا عن الطعام منذ أربعة أشهر كاملة, ومن ثم تقوم السلطات في هذا المعتقل الذي هو أقبح بكثير من معتقل أوشفيتز الذي أقامه النازيون..


تقوم السلطات هناك بإطعام هؤلاء المعتقلين عنوة بواسطة خراطيم يدفعونها في أمعائهم لابد معها أن يفقد الانسان أي احساس بآدميته!
ومع ذلك فليس هذا بموضوعنا هنا, ولكن موضوعنا الغريب هو أن واشنطن ولندن خرجتا يوم الجمعة الماضي, وبكل الفجاجة التي يمكن أن تتحلي بها أي دولة وأي مجتمع.
خرجت واشنطن ترفض تصنيف الدولة المصرية لجماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية!!
أما بريطانيا الحنون فقد تحولت عاصمتها لندن إلي مقر جديد لجماعة الإخوان المسلمين التي تقوم حتي يومنا هذا بإحراق الصالح والطالح في كل ربوع الدولة المصرية!! أي انحطاط هذا الذي تدنت إليه هاتان الدولتان؟ ومتي سيتوقف هذا العداء نحو مصر؟ ومتي سينضج المجتمع الاوروبي ويخرج من هذه الحظيرة الأنجلو أمريكية؟ ومتي ستتحرك باقي أجزاء العالم ومنظمته الضعيفة المسماة بـ( منظمة الأمم المتحدة) ـ متي سيتحرك كل هؤلاء ويعربون عن حقيقة مشاعرهم وينزعون أنفسهم عن هذا المدار الأنجلو أمريكي؟ أي عالم هذا الذي نعيش فيه؟ وأي عالم هذا الذي يصف ذاته بأنه إنساني ومتحضر؟.... لا أعلم ولا أفهم.. ولا أعتقد أبدا أن هناك من يعلم ومن يفهم!.
إن الخطة الشيطانية التي عكفت علي وضعها واشنطن ومعها يقينا المخابرات البريطانية والمؤسسات المماثلة في بعض ـ وليس كل ـ الدول الأوروبية وذلك بالإضافة إلي تركيا الإسلامية! وقطر العربية الإسلامية والله وحده هو العليم بالآخرين التي ستكشف عنهم الأحداث فيما بعد ـ هذه الخطة المنحطة التي تقوم علي فكرة الفوضي الخلاقة التي بشرتنا بها كونداليزارايس. هذه الخطة كانت تستهدف مصر بالدرجة الأولي عن طريق تحقيق الأهداف التالية:
gt; كسر أنف جهاز الشرطة وتبديد هيبته مع التركيز الشديد علي جهاز مباحث أمن الدولة لما تحوي ملفاته من معلومات دقيقة عن:
1 ـ جماعة الإخوان المسلمين التي ستلعب دورا رئيسيا في هذه الهجمة الفوضوية.
2 ـ مكاتب المخابرات في كل السفارات الموجودة داخل مصر, وبالذات الأمريكية والبريطانية.


ومن المعروف أن جهاز مباحث أمن الدولة المصرية تم تصنيفه علي أنه ثالث أكفء جهاز مثيل علي مستوي العالم كله!
gt; تشتيت واستنزاف تشكيلات القوات المسلحة بقدر الإمكان, وإيقاف تزويدها باحتياجاتها الضرورية من الولايات المتحدة الأمريكية, وكان في مقدمة هذه الاحتياجات طائرات إف ـ16 التي منعت واشنطن إرسالها إلي مصر رغم الاتفاقيات الواضحة في هذا الشأن؟


gt; تعيين رئيس جمهورية لمصر يشترط في المقام الأول ألا يكون عسكريا, وذلك بعد معاناة واشنطن من الرؤساء عبد الناصر ومن بعده السادات, ومن بعده مبارك... وكان التركيز وقحا وشديدا علي مبارك, فبالرغم من إعلانه الواضح أنه سيتخلي عن الحكم خرج المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض ليعلن عبارته الفجة:( الآن تعني الآن) وذلك في الوقت الذي لم يقل فيه شيئا عن إعلان الرئيس السوري بشار الأسد أنه لن يتنازل, ولن يترك الحكم ابدا.. ومازال باقيا حتي يومنا هذا! وفي هذا الصدد كان الاختيار الأمثل بالنسبة لواشنطن هو السيد مرسي العياط الذي خرج من السجن إلي مقعد الرئاسة في الدولة الكبري بالمنطقة العربية!
gt; إيقاف عجلة الإنتاج بالدولة المصرية لأطول فترة ممكنة حتي تصل البلاد إلي حالة إفلاس كامل ومتكامل نتمني معه اللجوء إلي الحظيرة الأمريكية.
gt; تشجيع وتغذية المطالب الفئوية وتصعيدها إلي حدود يصعب, إن لم يكن يستحيل, تحقيقها في الوقت الراهن ضمانا لاستمرار حالة عدم الاستقرار في جميع ربوع الدولة!.
وفي المقابل جاءت النتائج كما يلي:
gt; التزمت القوات المسلحة المصرية بدرجة نموذجية من الانضباط, وضبط النفس والوعي الاستراتيجي والتكتيكي, ولم تتورط في الكمائن والشراك التي استهدفت المؤامرة استدراجها إليها وذلك في الوقت نفسه الذي كانت فيه في منتهي الحسم مع الإرهابيين والمرتزقة الذين جاءوا بهم إلي سيناء!.
gt; خرجت الشرطة المصرية من هذه المؤامرة أقوي مما كانت في أي وقت من الأوقات, وفي ذلك أتمني كمواطن مصري لو عادت تسمية( جهاز مباحث أمن الدولة) نكاية في هؤلاء السفلة!.
gt; تحقيق وفاق تاريخي بين القوات المسلحة والشرطة بعد حالة من التوتر سادت منذ ثورة23 يوليو, وتبددت تماما بعد ثورة30 يونيو!!!
gt; ارتفعت أسهم القوات المسلحة والشرطة إلي أعلي مستوي علي مدي تاريخها الطويل والحافل, وذلك بجانب تلاحمها الايجابي مع كل فئات الشعب الذي استشعر بفطنته أن هاتين المؤسستين هما الدرع والأمل!
بهذه الحسابات والنتائج قد يشط البعض من بيننا ليقول إننا هزمنا أمريكا, وهنا وبالكثير من ضبط النفس والسيطرة علي المشاعر أقول لهؤلاء: لا لم نهزم أمريكا أبدا... ولن نستطيع أبدا لأنها أقوي دولة في تاريخ العالم!
ولكن نستطيع أن تقول ونزهو ونفخر بأننا هزمنا تلك الأجهزة والمؤسسات الأمريكية العفنة التي اشتركت ـ مع أجهزة مماثلة في دول أخري ـ في إعداد وتنفيذ هذه المؤامرة الرخيصة!
وفي ذلك فإنه لو أردنا الكمال فما علينا إلا أن نسعي بكل السبل والوسائل لإقامة حلقة اتصال مع الشعب الأمريكي لنشرح له حقيقة ما جري, وما تطورت إليه الأمور... وحينئذ نكون معا: شعبنا وشعبهم قد انتصرنا علي هذا الشر( الأوبامي) الذي يفوق كل الشرور التي كان يحلم بها( نيقولو ماكيافيللي)(7251 ـ9641) التي ضمها في كتابه الشهير( الأمير) الذي أصبح بمثابة مرجع أساسي للكثيرين من القادة والرؤساء في العالم الغربي..في مقدمتهم الرئيس أوباما حسين!!.