رسالة أمريكية إلى عمان حول المشهد العراقي: «لا نعرف ماذا حصل ولسنا طرفاً في المسألة»

بسام البدارين

&&تتقصد المؤسسة السياسية الأردنية البقاء لأطول فترة ممكنة في دائرة»الصمت والرقابة» خلال التعاطي مع ميزان القوة الجديد المضطرب في المعادلة العراقية المجاورة بنفس الدرجة التي تقصدت فيها الإمتناع رسميا «عن التعليق» على قرار حكومة بغداد الخاص بإنسحاب أو «إعادة إنتشار» القوات النظامية في مدن الشريط الحدودي بين الجانبين.
الأردن لديه نفوذ قديم وعلاقات صلبة مع قادة مجتمع العشائر السنية في الأنبار والرمادي قرب حدوده وهو نفوذ سبق أن طالبت حكومة المالكي بإستثماره لصالح حملتها العلنية ضد ما يسمى بالإرهاب السني دون أن تتقدم عمان بأي خطوة فارقة خارج سياق اللغة الدبلوماسية لصالح المالكي.


لكن النفوذ الأردني في عمق معادلة العشائر السنية في الأنبار والرمادي تأثر سلبا بقواعد الإشتباك مع تنظيمات «داعش» التي تسيطر على المنطقة والتي لم تظهر عمليا حتى اللحظة أي محاولة للإقتراب من حدود المملكة الأردنية الهاشمية وإكتفت باللعب حسب الناشط السياسي خلف الحديد ما بين الأنبار ودير الزور في سوريا.
لدى الأردنيين أيضا «خبرة أمنية» في التعاطي مع المنطقة داخل العمق العراقي بسبب إشتباكهم سابقا مع مؤسس فكرة دولة العراق والشام الأردني الراحل أبو مصعب الزرقاوي والذي تقول آخر الأنباء أن شقيقه الأصغر معتقل الأن على يد قوة من عشائر الأنبار أوقفت عشرة من تنظيم داعش.
يرد المراقبون النفوذ الأردني في الشريط السني المحاذي عراقيا إلى علاقات مصالح قديمة ومتكرسة بين الأردن ونخبة عريضة من قادة ووجهاء عشائر الأنبار والرمادي خصوصا الذين تشكل عمان ملاذا آمنا لهم ولنشاطاتهم الإقتصادية والتجارية في المنطقة.
هذا الوضع الجيوسياسي الأمني الإجتماعي للحدود الأردنية العريضة مع العراق يجعل عمان بكل المعاني السياسية والإجتماعية والأمنية في محور نقاط الإرتكاز عندما يتعلق الأمر بالمشهد العراقي كما يقدر عضو البرلمان محمد الحجوج.
بوضوح لا تريد عمان السياسية أن تكون كذلك لكن الحدث فرض إيقاعات مستجدة تماما والمؤسسة العسكرية الأمنية الأردنية راقبت بإهتمام سلسلة إنسحابات لقوات المالكي من محيط المنطقة التي يسيطر علي جزء حيوي منها عمليا تنظيم داعش.


بالنسبة للسلطات الأردنية وخلافا للمعهود على حدود اي بلدين لم يتم تبليغ الجانب الأردني رسميا بإنسحابات أو خطط عسكرية من جانب المالكي ولا يوجد معلومات تحدد نوعية التنقلات والتحركات العسكرية النظامية بالسياق والإحتمالات تتراوح ما بين الإنسحاب الكلي أو التكتيكي أو إعادة الإنتشار. بكل الأحوال وضع الأردنيون إحتياطا خطتهم الفنية للحدود مع العراق وفقا لكل الإحتمالات والسيناريوهات وسط مخاوف نوقشت في غرفة القرار المغلقة تطال مسألتين في غاية الأهمية وهما الخوف من تكرار «السيناريو السوري» على الحدود مع العراق بمعنى تكفل الجيش الأردني فقط بحماية الحدود في الإتجاهين تماما كما يحصل مع حدود درعا أولا.
وثانيا الدخول في هاجس إحتمالات «النزوح» الجماعية في حال دخول المنطقة مرمى الإشتباك العسكري وهو سيناريو يتخيل وزير بارز في الجانب الأردني تحدثت معه «القدس العربي»، «مرعب للغاية».
لو حصلت ظروف تتطلب نزوحا جميعا سيكون الضغط على الحدود الأردنية أضعاف ما حصل مع سورية وفقا للناشط السياسي العراقي الخبير الدكتور زياد قاسم الذي يتحدث عن حركة نزوح متوقعة في حال إشتعال حرب طائفية ترهق الأردن جدا لإنها ستشمل على اٌلأقل خمسة ملايين عراقي.


المجلس الوزاري المصغر في عمان قرر في إجتماع مغلق أن السيناريوهات ستكون صعبة ومعقدة لو تعرضت الحدود الأردنية لضغط حراك شعبي للخائفين والمستهدفين ولا يوجد أموال مخصصة إطلاقا للخوض في هذا المضمار. بحث القوم في مؤسسة صناعة القرار الأردنية عن «خطوات إحتياطية» بعد رسالة أمريكية مباشرة أبلغت عمان «..لانعرف ما الذي حصل..فوجئنا به ولسنا طرفا» وهي رسالة ضاعفت من مستوى القلق الأردني الرسمي لإنها تعني ببساطة بأن كل الإحتمالات أصبحت واردة عمليا. السياسات الأولى التي تقررت حتى الأن التقدم بنصيحة للبرلمان بعدم التصعيد ومضاعفة الإجراءات الأمنية ليس على الحدود فقط إنما على ألاف العراقيين الشيعة في الأردن مع الإستعداد لخطط طواريء حدودية والميل للصمت الإعلامي وعدم إعلان أي موقف رسمي علني ضد أي طرف عراقي بما في ذلك دولة داعش والحرص على المراقبة والإنتظار.
ترجمة ذلك أن الأردن سيتخذ موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما نفسه وهو«عدم التسرع».. لذلك لم يصدر ولا بيان رسمي واحد حتى مساء أمس الإثنين يعلق على مسار الأحداث في العراق.
ولم تصدر إنتقادات لطائفية حكومة المالكي كما فعل الحلفاء السعوديون ولم تصدر بالتوازي بيانات رسمية ضد داعش وتكثفت الإتصالات الباحثة عن «معلومات» سواء عبر أقطاب حزب البعث في الأردن أو عبر الأصدقاء العراقيين. موقف الأردن بهذا المعنى معقد جدا.

&
&