محمد علي فرحات

ما الذي دفع رئيس الحكومة التونسية المكلّف الحبيب الصيد الى توسيع تشكيلته الوزارية لتشمل ممثلين لحركة «النهضة» الإسلامية، بعدما كانت مقتصرة على وزراء من «نداء تونس» وأحزاب أخرى ومستقلين؟

&

ليس فقط التخوف من برلمان لا تحظى فيه الحكومة إلا بغالبية ضئيلة قد تهتز أمام قرارات كبرى، فجرى ضم «النهضة» لجعل البرلمان مطواعاً... المسألة أبعد من ذلك. إنها التخوف من الديموقراطية نفسها حيث غالبية تحكم بحيوية وفق برامج مدروسة، وأقلية معارضة تواكب عمل الحكومة وتنتقده وتضبطه في إطار ما تراه مصلحة عامة. لكن الحياة السياسية العربية بوجه عام تميل في هذه الفترة الى «ديموقراطية توافقية» مخافة أن تتحول الغالبية الى كتلة استبداد وفساد وضغط على الناخبين لـ «تمديد» سيطرتها على البرلمان، وأن تتحول الأقلية من الاعتراض السياسي عبر المؤسسات الدستورية الى الاعتراض في الشارع، المؤدي في أحيان كثيرة الى الاعتراض المسلح وتقسيم المجتمع.

&

والحال إن الحكومة في «الديموقراطية التوافقية» هي صيغة مصغرة عن البرلمان، تتخذ قراراتها بالتوافق، مفتقدة برامج التطوير السياسي والإنماء الاقتصادي الشجاعة الصادرة عادة عن غالبية، بل إن رئيس حكومة التوافق يخسر الكثير من صورته كرئيس للسلطة التنفيذية حين يبدو أشبه برئيس للبرلمان لا للحكومة.

&

في هذا المسار، نشهد في تونس تكراراً للمشهد السياسي في لبنان، حيث يدير رئيس الحكومة تمام سلام وزراء يمثلون القوى الرئيسة في البرلمان، مزاحماً رئيس مجلس النواب نبيه بري في مهمته الدستورية، فيحصل يومياً خلط بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، حين يبدو الرئيس سلام أشبه برئيس برلمان يوفق بين كتل نيابية، فيما نرى يد الرئيس بري واضحة في قرارات للسلطة التنفيذية أو في مداولاتها لاتخاذ القرارات.

&

وهذا المسار يؤدي عملياً الى شلل السياسة وتعليب الانتخابات وتحديد نتائجها مسبقاً، فتبقى الغالبية غالبية والأقلية أقلية بفعل ضغوط السلطة ومنافعها على الناخبين، وتتحول الأحزاب، إذا وجدت حقاً، الى كيانات شائخة ترتبط بشخص الزعيم لا بأفكار الحزب ومواقفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتبدو السلطة ديكتاتورية هلامية تجمع في داخلها ديكتاتوريات صغيرة ذات صراعات منضبطة.

&

وتتقدم «الديموقراطية التوافقية» في حياتنا السياسية عبر تخويف من حرب أهلية يؤدي الى شلل السياسة، و «تخليد» القادة في مراكزهم عبر انتخابات صورية تعيد إنتاج البرلمان نفسه.

&

وعندما يعجز التخويف من الحرب الأهلية في إقناع المواطنين وضبط مطالبهم، يعمد أهل «الديموقراطية التوافقية» الى مدّها بالحياة، طارحين شعار توحيد المجتمع وتماسك الدولة على قاعدة أننا في حال حرب مع العدو، المتمثل بإسرائيل في الشعارات اللبنانية، واستطراداً شعارات النظام السوري، أو المتمثل بـ «الإخوان المسلمين» في شعارات الحكم الحالي في مصر. لكن لمصر دائماً خصوصيتها: ثنائية الجيش- «الإخوان» التي تجاوزت عمرها الافتراضي لتؤدي الى «موت السياسة» لا شللها.

&

كيف نرى في أيام قليلة مواطناً مصرياً بلا اسم يطل من شاشة تلفزيونية «إخوانية» داعياً الى خنق وطنه، حين يطلب من السفارات الأجنبية المغادرة خلال تاريخ محدد ومعها موظفو الشركات الأجنبية ومحذراً السياح من زيارة مصر، ونرى في الوقت نفسه تفجيرات تطاول عسكريين ومدنيين وأملاكاً عامة، وخاصة في سيناء والداخل المصري، ونرى بالتالي رئيساً وجيشاً يتأهبان لردع الإرهاب، فيما المجتمع المدني، غالبية المصريين، يفتقد مؤسساته وهيئاته ولا يذكره أحد بعد ستة عقود من ثنائية الجيش- «الإخوان»؟
&